وخامسها : أنّه إذا جاز منع المكلّف ممّا أمر به بالإحرام ، فكذلك يجوز بالنّهي ، وإلّا فما الفرق بين الأمرين.
وسادسها : أنّ السيّد منّا قد يأمر عبده بالتجارة وغيرها بشرط بأن لا ينهاه.
وسابعها : أنّ الطهارة إنما تجب لوجوب الصلاة ومع ذلك فقد يمنع المكلّف بالموت عن الصلاة ، وإن كان قد توضّأ ، فأيّ فرق بين منعه بالموت ومنعه بالنهي؟.
وثامنها : ما روي من قوله عليهالسلام في وصف مكّة : «أحلّت لي ساعة من نهار» (١) ثمّ لم يقع منه عليهالسلام قتال في ساعة ولا ساعات.
والجواب عمّا تعلقوا به أوّلا : أنّ ظاهر الآية يقتضي محوا وإثباتا على الحقيقة ، وذلك لا يليق بالنسخ ، وإن استعمل فيه على جهة المجاز ، فالأشبه بظاهر الآية ما روي من أنّه تعالى يمحو من اللّوح المحفوظ ما يشاء ، ويثبت ما يشاء ، لما يتعلّق بذلك من صلاح الملائكة. وإن عدلنا عن الظّاهر ، وحملناه على النسخ فليس فيه أنّه يمحو نفس ما أثبته ، ونحن نقول : أنّه ينسخ الشّرائع على الوجه الصحيح ، فإذا حملنا الآية على النسخ ، فهي كالمجمل من غير تفصيل.
والجواب عمّا تعلّقوا به ثانيا : أنّه تعالى لم يأمر إبراهيم عليهالسلام بالذبح الّذي هو فرى الأوداج ، بل بمقدّماته ، كالإضجاع له وتناول المدية ، وما جرى مجرى ذلك ، والعرب تسمّي الشيء باسم مقدّماته ، والدليل على هذا قوله تعالى : (وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) (٢). فأمّا جزع إبراهيم فلأنّه أشفق من أن يأمره بعد مقدّمات الذّبح بالذّبح نفسه ؛ لأنّ العادة بذلك جارية ، وأمّا الفداء فلا يمتنع أن يكون عمّا ظنّ أنّه سيؤمر به من الذبح ، ولا يمتنع أيضا أن يكون عن مقدّمات الذبح زائدة على ما فعله لم يكن قد أمر بها ؛ فإنّ الفدية لا يجب أن تكون من جنس المفدىّ ؛ لأنّ حلق الرأس قد يفدى بدم ما يذبح.
__________________
(١) صحيح البخاري ، ٢ : ٢١٣ باب لا يعضد شجر حرم.
(٢) سورة الصافات ، الآيتان : ١٠٤ و ١٠٥.