تعالى من أن يدلّا ، فالأمر إذا وقع يدلّ على حسن الفعل ، والنهي على قبحه ، وإذا دلّا على قبح أو حسن ؛ فلا بدّ من ثبوت وجه يقتضي إمّا القبح أو الحسن ؛ لأنّ الدلالة لا تدلّ إلّا على صحّة ، ألا ترى أنّ الأمر والنّهي وإن كانا عندنا لا يؤثّران ، فإنّا كلّنا نستدلّ بأمر الله تعالى على كون الفعل واقعا على وجه يستحقّ به الثواب ، وبنهيه على قبحه ، وكونه ممّا يستحقّ به العقاب ، ونعلم على جهة الجملة أن كلّ شيء أوجب علينا في الشرع فلا بدّ فيه من جهة وجوب ، وكلّ شيء حرّم فلا بدّ فيه من وجه قبح ، وإن كنّا لا نعلم جهات الوجوب والقبح على سبيل التفصيل ، ولا نجعل الأمر والنهي مؤثّرين في تلك الجهات ، بل يدلّان عليها ، فما المنكر على هذا من أن يأمر الله تعالى المكلّف بالصّلاة في وقت زوال الشمس ، وتكون هذه الصلاة واجبة في الوقت المضروب متى استمرّ حكم الأمر بها ، ولم يرد نهي عنها ، وإن ورد النّهي عنها دلّ على تغيّر حالها ، واختصاصها بوجه يقبح عليه؟ فإذا أمر بالصلاة ، اعتقد وجوبها عليه متى لم ينه عنها ، فإذا ورد النهي اعتقد قبحها ويكون الغرض في هذا التكليف مصلحة المكلّف ، كأنّا قدّرنا أنه تعالى علم أنّه إن كلّفه على هذا الوجه ، كان مصلحة له ، في واجب عليه يفعله أو قبيح يتجنّبه.
والجواب : أنّ هذه الصلاة المأمور بها عند زوال الشّمس لا يخلو من أن يكون فعلها في هذا الوقت مصلحة في الدين أو مفسدة : فإن كانت مصلحة ، فبورود النّهي لا يتغيّر حالها ، ويجب قبح النّهي المتناول لها ، وإن كانت مفسدة في نفسها فبتناول الأمر أو باستمراره لا يتغيّر حالها ، فيجب قبحها ، وقبح الأمر المتناول لها.
اللهمّ إلّا أن يقال : لهذه الصلاة في هذا الوقت المخصوص وجهان تقع على كلّ واحد منهما ، فتكون ـ متى وقعت على أحدهما ـ واجبة ، وإذا وقعت على الآخر قبيحة ، والأمر تناولها على جهة الحسن ، والنهي تناولها على جهة القبح.
وهذا ـ إن قيل ـ باطل ؛ لأنّه لو كانت لهذه الصلاة جهتان يقع عليهما ،