والجواب عنه : أنّ لفظ الامر تناول الفعل ، فكيف نحمله على الاعتقاد ، ونعدل عن الظّاهر.
وهذا لو صحّ لسقط الخلاف في المسألة ؛ لأنّه أمر بشيء ، ونهى عن غيره ، والخلاف إنّما هو في أن ينهى عن نفس ما أمر به.
ثمّ هذا الاعتقاد لا يخلو من أن يكون اعتقادا لوجوب الفعل ، أو لأنّا نفعله لا محالة : فإن كان اعتقادا لوجوبه ، فذلك يقتضي وجوب الفعل ، ويقبح النهي عنه وإن كان اعتقادا ؛ لأنّ المكلّف يفعله لا محالة ، فذلك محال ؛ لأنّ المكلّف يجوّز الاخترام والمنع.
فإن قيل : هو أمر باعتقاد وجوب الفعل بشرط استمرار حكم الأمر ، أو بأن لا يرد النهي.
قلنا : هذا الاشتراط يمكن أن يقال في نفس الفعل ، ولا يحتاج إلى ذكر الاعتقاد.
وبعد ، فإنّ الاعتقاد تابع للفعل : فإن وجب الفعل مطلقا ؛ كان الاعتقاد كذلك ، وإن كان مشروطا ، فالاعتقاد مثله ؛ لأنّه تابع له ، والشرط المذكور إن دخل في الاعتقاد ؛ فلا بدّ من دخوله في الفعل نفسه.
والّذي يفسد أن يكون لهذا الشّرط تأثير أنّ بقاء الأمر وانتفاء النّهي لا يكون وجها في قبح الفعل ولا حسنه ، ولا يؤثّران في وقوعه على وجه يقتضي مصلحة أو مفسدة ، ولا يجري ذلك مجرى ما نقوله : من أنّ الله تعالى قد أمر بالصلاة في وقت مخصوص على جهة العبادة له ، ونهي عنها في ذلك الوقت على جهة العبادة لغيره ؛ لأنّ هذين الوجهين معقولان ، ولهما تأثير في الحسن والقبح ، وليس كذلك بقاء الأمر وانتفاء النّهي ؛ لأنّ الفعل لا يحسن بالأمر ، ولا يقبح بالنهي ، ولا لهما تأثير في الوجوه الّتي يقع عليها.
ويمكن أن يعترض هذا الكلام بأن يقال : الأمر والنهي وإن لم يقتضيا قبح فعل ولا حسنه ، ولم يؤثّرا في وجه يقع الفعل عليه ، فلا بدّ إذا وقعا من الحكيم