وكذلك قد يقول أحدنا لغيره : أنا نجيتك من كذا وكذا ، واستنقذتك وخلّصتك ، ولا يريد أنّه فعل بنفسه فعله. والمعنى في ذلك ظاهر ؛ لأنّ ما وقع بتوفيق الله تعالى ودلالته وهدايته ومعونته وألطافه قد يصحّ إضافته إليه فعلى هذا صحّت إضافة النجاة إليه تعالى.
ويمكن أيضا أن يكون مضيفا لها من حيث ثبّط عنهم الأعداء ، وشغلهم عن طلبهم ؛ وكلّ هذا يرجع إلى المعونة ؛ فتارة تكون بأمر يرجع إليهم ، وتارة بأمر يرجع إلى أعدائهم.
فإن قيل : كيف يصحّ أن يقول : (وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ) فيخاطب بذلك من لم يدرك فرعون ولا نجا من شرّه؟.
قلنا : ذلك معروف مشهور في كلام العرب ؛ وله نظائر ؛ لأنّ العربيّ قد يقول مفتخرا على غيره : قتلناكم يوم عكاظ وهزمناكم ؛ وإنّما يريد أنّ قومي فعلوا ذلك بقومك. قال الأخطل يهجو جرير بن عطية :
ولقد سما لكم الهذيل فنالكم |
|
بإراب حيث يقسّم الأنفالا (١) |
في فيلق يدعو الأراقم لم تكن |
|
فرسانه عزلا ولا أكفالا (٢) |
ولم يلحق جرير الهذيل ؛ ولا أدرك اليوم الذي ذكره ؛ غير أنّه لمّا كان يوم من أيام قوم الأخطل على قوم جرير ، أضاف الخطاب إليه والى قومه ؛ فكذلك خطاب الله تعالى بالآية إنّما توجّه إلى أبناء من نجّى من آل فرعون وأحلافهم. والمعنى : وإذ نجّينا آباءكم وأسلافكم ؛ والنعمة على السلف نعمة على الخلف (٣).
__________________
(١) ديوانه ٤٨ وفي حاشية بعض النسخ : «الهذيل بن هبيرة التغلبي ، وكان غزا بني رباح يوم إراب ؛ وإراب اسم ماء».
(٢) الأراقم : قبائل معروفة ، والعزل : الضعفاء والأكفال : جمع كفل ، وهو الذي لا يثبت على ظهور الخيل ؛ ومثله قول الشاعر :
ما كنت تلقى في الحروب فوارسي |
|
ميلا إذ ركبوا ولا أكفالا |
(٣) الأمالي ، ٢ : ٩٤.