الجميل والخير ، والبلوى المقصور في السوء والشرّ ، وقال قوم : أصل البلاء في كلام العرب الاختبار والامتحان ، ثمّ يستعمل في الخير والشرّ ؛ لأنّ الاختبار والامتحان قد يكون في الخير والشر جميعا ، كما قال تعالى : (وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ) (١) ، يعنى اختبرناهم ، وكما قال تعالى : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) (٢) ، فالخير يسمّى بلاء ، والشرّ يسمّى بلاء ؛ غير أنّ الأكثر في الشرّ أن يقال : بلوته أبلوه بلاء ، وفي الخير : أبليته أبليه إبلاء وبلاء ؛ وقال زهير في البلاء الذي هو الخير :
جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم |
|
وأبلاهما خير البلاء الذي يبلو (٣) |
فجمع بين اللغتين ، لأنّه أراد : أنعم الله عليهما خير النعمة التي يختبر بها عباده. وكيف يجوز أن يضيف تعالى ما ذكره عن آل فرعون من ذبح الأبناء وغيره إلى نفسه ، وهو قد ذمّهم عليه ، ووبّخهم! وكيف يكون ذلك من فعله ؛ وهو قد عدّ تخليصهم منه نعمة عليهم! وكان يجب على هذا أن يكون إنّما نجّاهم من فعله تعالى بفعله ، وهذا مستحيل لا يعقل ولا يحصل ؛ على أنّه يمكن أن ترد قوله : (ذلِكُمْ) إلى ما حكاه عن آل فرعون من الأفعال القبيحة ؛ ويكون المعنى : في تخليته بين هؤلاء وبينكم ، وتركه منعهم من إيقاع هذه الأفعال بكم بلاء من ربّكم عظيم ؛ أي محنة واختبار لكم.
والوجه الأوّل أقوى وأولى ، وعليه جماعة من المفسّرين.
وروى أبو بكر الهذليّ عن الحسن في قوله تعالى : (وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ)، قال : نعمة عظيمة ؛ إذا أنجاكم من ذلك ؛ وقد روي مثل ذلك عن ابن عباس والسّديّ ومجاهد وغيرهم.
فأمّا إضافة النّجاة إليه وإن كانت واقعة بسيرهم وفعلهم ؛ فلو دلّ على ما ظنّوه لوجب إذا قلنا : إنّ الرسول أنقذنا من الشّكّ ، أخرجنا من الضلالة إلى الهدى ، ونجّانا من الكفر أن يكون فاعلا لأفعالنا.
__________________
(١) سورة الأعراف ، الآية : ١٦٨.
(٢) سورة الأنبياء ، الآية : ٣٥.
(٣) ديوانه : ١٠٩ ؛ والرواية فيه : «رأي الله بالإحسان ..» ، وهي رواية الأصمعي.