العذاب ؛ وإنّما العذاب هو الضرر دون غيره ، وذكر الباقي على سبيل الشرح للحال.
ووجه آخر : وهو أنّه روي أنّهم كانوا يقتلون الأبناء ، ويدخلون أيديهم في فروج النساء لاستخراج الأجنّة من بطون الحوامل ؛ فقيل : يستحيون النساء ، اشتقاقا من لفظة الحياء وهو الفرج ؛ وهذا عذاب ومثلة ، وضرر شديد لا محالة (١).
[الثاني :] ما تنكرون أن يكون في هذه الآية دلالة على إضافة الأفعال التي تظهر من العباد إليه تعالى ، من وجهين :
أحدهما : أنّه قال تعالى بعد ما تقدّم ذكره من أفعالهم ومعاصيهم : (وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) فأضافها إلى نفسه.
والثاني : أضاف نجاتهم من آل فرعون إليه فقال : (وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ)، ومعلوم أنّهم هم الذين ساروا حتى نجوا ؛ فيجب أن يكون ذلك السير من فعله على الحقيقة حتّى تصحّ الإضافة.
الجواب : قلنا : أمّا قوله تعالى : (وَفِي ذلِكُمْ) فهو إشارة إلى ما تقدّم ذكره من إنجائه لهم من المكروه والعذاب : وقد قال قوم : إنّه معطوف على ما تقدّم من قوله تعالى : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) (٢). والبلاء هاهنا الإحسان والنعمة.
ولا شكّ في أنّ تخليصه لهم من ضروب المكاره التي عدّدها الله نعمة عليهم وإحسان إليهم ؛ والبلاء عند العرب قد يكون حسنا ، ويكون سيئا ، قال الله تعالى : (وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً) (٣) ؛ ويقول الناس في الرجل إذا أحسن القتال والثبات في الحرب : قد أبلى فلان ، ولفلان بلاء ؛ والبلوى أيضا قد يستعمل في الخير والشرّ ؛ إلّا أن أكثر ما يستعملون البلاء الممدود في
__________________
(١) الأمالي ، ٢ : ٣١٧ وراجع أيضا الرسائل ٣ : ١٠٤.
(٢) سورة البقرة ، الآية : ٤٧.
(٣) سورة الأنفال ، الآية : ١٧.