وقال الآخر (١) :
يا ليت بعلك قد غدا |
|
متقلّدا سيفا ورمحا |
أراد حاملا رمحا.
ووجدت أبا بكر بن الأنباريّ يقول : إن الاستشهاد بهذه الأبيات لا يجوز على هذا الوجه ؛ لأنّ الأبيات اكتفي فيها بذكر فعل عن ذكر فعل غيره ، والآية اكتفى فيها باسم دون اسم.
والأمر وإن كان على ما قاله في الاسم والفعل ؛ فإنّ موضع الاستشهاد صحيح ؛ لأنّ الاكتفاء في الأبيات بفعل عن فعل إنّما حسن من حيث دلّ الكلام على المحذوف والمضمر واقتضاه ، فحذف تعويلا على أنّ المراد مفهوم غير ملتبس ولا مشتبه.
وهذا المعنى قائم في الآية ، وإن كان المحذوف اسما ؛ لأنّ اللبس قد زال ، والشبهة قد أمنت في المراد بها فحسن الحذف ؛ لأنّ الفرقان إذا كان أسما للقرآن ؛ وكان من المعلوم أنّ القرآن إنّما أنزل على نبينا صلىاللهعليهوآلهوسلم دون موسى عليهالسلام استغنى عن أن يقال : وآتينا محمدا القرآن ؛ كما استغنى الشاعر أن يقول : ويفقأ عينيه ، وترى لليدين جسأة وبددا ، وما شاكل ذلك.
إلّا أنّه يمكن أن يقال فيما استشهد به في جميع الأبيات ممّا لا يمكن أن يقال مثله في الآية ؛ وهو أن يقال ؛ إنّه محذوف ، ولا تقدير لفعل مضمر ، بل الكلام في كلّ بيت منها محمول على المعنى ؛ ومعطوف عليه ؛ لأنّه لما قال :
تراه كأنّ الله يجدع أنفه
وكان معنى الجدع هو الافساد للعضو والتشويه به عطف على المعنى ، فقال : «وعينيه» فكأنّه قال : كأنّ الله يجدع أنفه ، أي يفسده ويشوّهه ، ثمّ قال : «وعينيه». وكذلك لمّا كان السامع للغّط من الأحشاء عالما به عطف على المعنى
__________________
(١) هو عبد الله بن الزبعرى ، كما في حواشي ابن الفوطية على الكامل ١٨٩ ليبسك. وانظر حواشي شرح المزروقي للحماسة ١١٤٧.