والجواب الثالث : أن يكون المعنى : ومثل الذين كفروا ومثلنا ، أو مثلهم ومثلك يا محمد كمثل الذي ينعق ؛ أي مثلهم في الإعراض ومثلك في الدعاء والتنبيه والإرشاد كمثل الناعق بالغنم ، فحذف المثل الثاني اكتفاء بالأول ؛ ومثله قوله تعالى : (وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) (١) ، أراد الحرّ والبرد ، فاكتفى بذكر الحرّ من البرد ، وقال أبو ذؤيب :
عصيت إليها القلب إني لأمرها |
|
مطيع فما أدري أرشد طلابها (٢) |
أراد أرشد أم غيّ ، فاكتفي بذكر الرشد لوضوح الأمر.
والجواب الرابع : أن يكون المراد : ومثل الذين كفروا في دعائهم للأصنام التي يعبدونها من دون الله وهي لا تعقل ولا تفهم ، ولا تضرّ ولا تنفع كمثل الذي ينعق دعاء ونداء بما لا يسمع صوته جملة ، والدعاء والنداء ينتصبان على هذا الجواب ب «ينعق» ، وإلّا توكيد للكلام ؛ ومعناها الإلغاء ؛ قال الفرزدق :
هم القوم إلّا حيث سلّوا سيوفهم |
|
وضحّوا بلحم من محلّ ومحرم (٣) |
والمعنى : هم القوم حيث سلّوا سيوفهم.
والجواب الخامس : أن يكون المعنى : ومثل الذين كفروا في دعائهم الأصنام وعبادتهم لها واسترزاقهم إيّاها كمثل الرّاعي الذي ينعق بالغنم ويناديها ؛ فهي تسمع دعاءه ونداءه ولا تفهم معنى كلامه ، فشبّه من يدعوه الكفّار من المعبودات دون الله جلّ اسمه بالغنم ، من حيث لا تعقل الخطاب ولا تفهمه ، ولا نفع عندها فيه ولا مضرّة.
وهذا الجواب يقارب الذي قبله ، وإن كانت بينهما مزيّة ظاهرة ؛ لأنّ الأوّل يقتضي ضرب المثل بما لا يسمع الدعاء ، ولا النداء جملة ، ويجب أن يكون
__________________
(١) سورة النحل ، الآية : ٨١.
(٢) ديوان الهذليين : ٧١ / ١ ؛ والرواية فيه :
عصاني إليها القلب إنّى لأمره |
|
سميع فما أدري أرشد طلابها |
(٣) ديوانه : ٢ / ٧٦٠. ونظير هذا في مورد «إلّا» للتوكيد دون الاستثناء قولهم «أسألك إلّا غفرت لي».