وخالف باقي الفقهاء في ذلك وإن اختلفت أقوالهم ... والذي يدلّ على صحّة ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة ، ولأنّ ما ذكرناه أشبه بالعدل ؛ لأنّ الجماعة إنّما أتلفت نفسا واحدة فكيف تؤخذ النفوس الكثيرة بالنفس الواحدة؟ وإذا اتبعنا في قتل الجميع بالواحد الروايات المتظاهرة الواردة بذلك (١) فلا بدّ فيما ذكرته الإمامية من الرجوع بالدية ...
والذي يدلّ على الفصل الأوّل زائدا على إجماع الطائفة قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) ومعنى هذا أنّ القاتل إذا علم أنّه إن قتل قتل كفّ عن القتل ، وكان ذلك أزجر له عنه ، وكان داعيا إلى حياته وحياة من همّ بقتله ، فلو أسقطنا ؛ القود في حال الاشتراك سقط هذا المعنى المقصود بالآية ، وكان من أراد قتل غيره من غير أن يقتل به شارك غيره في قتله ، فسقط القود عنهما.
وممّا يمكن معارضة من ذهب إلى هذا المذهب به ما يروونه ويوجد في كتبهم في خبر أبي شريح الكعبي من قوله عليهالسلام : فمن قتل بعده قتيلا فأهله بين خيرتين ، إن أحبّوا قتلوا وإن أحبّوا أخذوا الدية (٢) ، ولفظة «من» يدخل تحته الواحد والجماعة دخولا واحدا.
ويمكن أن يستدلّ أيضا على من خالف في قتل الجماعة بواحد بقوله تعالى : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) (٣) ، والقاتلون إذا كانوا جماعة فكلّهم معتدّ ، فيجب أن يعاملوا بمثل ما عاملوا به القتيل.
فإن قالوا الله تعالى يقول : (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) (٤) (الْحُرُّ بِالْحُرِّ) (٥) ، وهذا ينفي أن يؤخذ نفسان بنفس وحرّان بحر.
قلنا : المراد بالنفس والحرّ هاهنا الجنس لا العدد ، فكأنّه تعالى قال : إنّ جنس النفوس تؤخذ بجنس النفوس ، وكذلك جنس الأحرار. والواحد والجماعة يدخلون في ذلك.
__________________
(١) الوسائل ، ١٩ : ٢٩.
(٢) سنن البيهقي ، ٥٢ : ٨.
(٣) سورة البقرة ، الآية : ١٩٤.
(٤) سورة المائدة ، الآية : ٤٥.
(٥) سورة البقرة ، الآية : ١٧٨.