الإقامة ؛ ويكون التقدير : فمن شاهد الشهر وهو مقيم مطيق بالغ إلى سائر الشروط ؛ فمن هذا الوجه كان الأول أقوى.
وليس لاحد أن يقول : إنّ (شَهِدَ) بنفسه من غير محذوف لا يدلّ على إقامة ؛ وذلك أنّ الظاهر من قولهم في اللغة : فلان شاهد إذا أطلق ولم يضف أفاد الإقامة في البلد ؛ وهو عندهم ضدّ الغائب والمسافر ؛ وإن كانوا ربّما أضافوا فقالوا : فلان شاهد لكذا ، وشهد فلان كذا ؛ ولا يريدون هذا المعنى ؛ ففي إطلاق (شَهِدَ) دلالة على الإقامة من غير تقدير محذوف ؛ وهذه جملة كافية بحمد الله (١).
[الثاني : استدلّ بهذه الآية على اعتبار العدد في المواقيت دون الاهلة ، وأن شهر رمضان ثلاثون يوما لا ينقص أبدا قال :] فأبان تعالى في هذه الآية أنّ شهر رمضان عدّة يجب صيامها على شرط الكمال.
وهذا قولنا في شهر الصيام أنّه كامل تامّ سالم من الاختلاف ، وأنّ أيامه محصورة لا يعترضها زيادة ولا نقصان. وليس كما يذهب إليه أصحاب الرؤية ، إذ كانوا يجيزون نقصانه عن ثلاثين ، وعدم استحقاقه لصفة الكمال.
يقال له : من أين ظننت أنّ قوله تعالى : (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) معناه : صوموا ثلاثين يوما من غير نقصان عنها.
وما أنكرت أن يكون قوله : (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) معناه : صوموا العدّة التي وجب عليكم صيامها من الأيام على التمام والكمال ، وقد يجوز أن يكون هذه العدّة تارة ثلاثين وتارة تسعة وعشرين يوما ، ومن رأى الهلال فقد أكمل العدة التي وجب عليه صيامها وما نقص عنها شيئا.
ألا ترى أنّ من نذر أن يصوم تسعة وعشرين يوما من شهر ثم صامها ، نقول : إنّه قد أكمل العدة التي وجبت عليه وتمّمها واستوفاها ولم يصم شهرا عدده ثلاثون يوما؟
__________________
(١) الأمالي ، ٢ : ٢١٧.