ثمّ قال صاحب الكتاب من بعد ذلك : ثم يقال لهم : كيف استجزتم القول بأنّ قياس الشهور كاملة ، مع إقراركم بأنّ فيها ما عدد أيامه ثلاثون يوما ، وفيها ما هو تسعة وعشرون يوما ، وليس في العرب أحد إذا سئل عن الكامل من هذه الشهور ، التبس عليه أنّه الذي عدده ثلاثون يوما.
يقال له : هذا ممّا قد بان جوابه في كلامنا الماضي ، وجملته انّنا لا ننكر أنّ الشهر الذي هو تسعة وعشرون يوما أنقص عددا من الذي عدده ثلاثون يوما ، وأنّ الذي عدده ثلاثون يوما أكمل من طريق العدد من الذي هو تسعة وعشرون ؛ وإنّما أنكرنا أن يكون أحدهما أكمل من صاحبه وأنقص منه في باب الحكم وأداء الفرض ؛ لأنّهما على الوجه الذي يطابق الأمر والايجاب ، وهذا ما لا يشتبه على المحصّلين.
ثمّ قال بعد ذلك : وقد قال بعض حذّاقهم : إنّ قوله تعالى : (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) إنّما أراد به قضاء الفائت على العليل والمسافر ؛ لأنّه ذكره بعد قوله : (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ).
ثمّ قال يقال لهم : لو كان الأمر على ما ظننتموه ، لكان قاضي ما فاته من علّة أو سفر مندوبا إلى التكبير عقيب القضاء ، لقول الله تعالى : (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ) وقد أجمعت الأمّة على أنّه لا تكبير عليه فرضا ولا سنّة ، وانّما هو مندوب إليه عقيب انقضاء شهر رمضان ليلة الفطر من شوّال.
فعلم بما ذكرنا سقوط هذه المعارضة وصحّة ما ذهبنا إليه في معنى الاية ، وأنّ كمال العدّة يراد به نفس شهر الصيام ، وإيراده على التمام.
يقال له : قد بيّنا أنّ أمره تعالى باكمال العدّة ليس المراد به صوموا ثلاثين على كلّ حال ، وإنّما يراد به صوموا ما وجب عليكم صيامه ، واقتضت الرؤية أو العدد الذي نصير إليه بعد الرؤية ، وأكملوا ذلك واستوفوه فمن صام تسعة وعشرين يوما وجب عليه لموجب الرؤية ، كمن صام ثلاثين يوما وجب عليه برؤية أو عدد عند عدم الرؤية ؛ لأنّهما قد أكملا العدّة وتمّماها.