فذلك قوله تعالى : (ان رَبَّك لِبالمِرصادِ) (١).
ونحن نستبعد أن يكون هذا الحديث وبهذه التفاصيل من الاستنباطات الشخصية لابن عباس ، فلابّد أنّه قد سمعه كرواية من الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله أو الإمام علي عليهالسلام.
ولقد ورد تعبير (المرصاد) في قوله تعالى : (انَّ جَهَنَّمَ كَانَت مِرصَاداً). (النبأ / ٢١) ولكن الظاهر من هذه الآية أنّ جهنّم نفسها مرصاد للطاغين والمجرمين ، ومع أخذ الآيات السابقة لها بنظر الاعتبار ذهب جمع من المفسرين إلى أنّ المقصود بالمرصاد هو القنطرة التي تمر من فوق جهنّم (يقال للمكان الذي اختص بالرصد وبما أنّهم غير قادرين على اجتيازه فيسقطون في جهنّم). (٢) إضافة إلى أنّ التعبير ب (المرصاد) يطلق على الطرق والمعابر ، وبما أنّ جهنّم التي تعتبر باصطلاح آخر خطاً ، لذا لاتتناسب مع معنى المرصاد وهذه قرينة اخرى على التفسير أعلاه.
* * *
الآية الثالثة والأخيرة أشارت إلى وضع الكفار والمجرمين يوم القيامة وأنّهم سيختم في ذلك اليوم على أفواههم ولا تتكلم إلّاأيديهم وأرجلهم ، قال تعالى : (وَلَو نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى اعْيُنِهِم فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ) (٣) لقد ذكر الكثير من المفسرين : أنّ هذه الآية ناظرة إلى وضع هذه الطائفة في دار الدنيا حيث فسروا الصراط ب (طريق الحق) أي أنّهم يجهدوا أنفسهم في سبيل العثور على طريق الحق وطريق النجاة ، ولكن الله سبحانه وتعالى وبسبب أعمالهم السيئة جعلهم عمياً لا يبصرون وبهذا فهم ليسوا بقادرين على تمييز ومشاهدة طريق النجاة.
__________________
(١). تفسير القرطبي ، ج ١٠ ذيل الآية مورد البحث.
(٢). ورد هذا التفسير في تفسير الميزان وفي التفسير الكبير (الفخر الرازي) وفي المفردات والقرطبي في تفسيره .. ذيل آية سورة النبأ ، وذكروا هنا المعنى كتفسير للآية أو كأحد الأقوال في تفسير الآية.
(٣). «طمسنا» من مادة «طَمْس» على وزن «شَمْس» بمعنى محو وازالة آثار الشي ويمكن أن يكون هنا بمعنى محوالعين تماماً أو إطفاء نورها والمطموس والطميس : الأعمى الذي ليس في عينه شق.