في الجنّة من أنواع النعيم لم يزيدوا على ما انتظمته هاتان الصفتان» (١).
والملفت هو ذكر هذه الجملة بعد بيان العديد من نعم الجنّة حتى يُعْرف أنّ نعم الجنّة لاتنحصر بها.
وهنا يطرح هذا السؤال : لماذا ذكر تعالى لذة الأعين بعد لذة الأنفس؟ هناك عدّة احتمالات :
الأول : أنّ جملة «تشتهيه الأنفس» تشمل جميع اللذات ، أمّا لذّة «الأعين» ولِما لها من أهميّة استثنائية فقد وردت على شكل (ذكر الخاص بعد العام).
الثاني : أنّ الجملة الاولى إشارة إلى لذات جميع الحواس (حاسة السمع ، واللمس ، والذوق ، والشم) ، أمّا جملة «تلذ الاعين» فهي إشارة إلى لذة حاسة البصر وهذه اللذة تعادل جميع اللذات أو أكثر.
الثالث : أنّ الجملة الاولى أشارت إلى جميع اللذات الجسمانية (المادية) ، أمّا الجملة الثانية فقد أشارت إلى اللذات الروحانية (المعنوية). أي النظر بعين البصيرة إلى جمال الخالق المطلق ، ومشاهدة صفات الجمال والجلال التي تعادل كل لحظة منها جميع النعم المادية في الجنّة.
ومن الواضح أنّ محيط الجنّة محيط منزه ومقدس ، لذا فإنّ طلبات الإنسان من أنواع النعم (المشروبة والمأكولة والملبوسة والمشمومة وغيرها) لا تتعدى الأشياء الظاهرة التي تليق بالإنسان الطاهر ، وعلى هذا فلا استثناء في عمومية الآية ، ولا تحتاج إلى تساؤلات هذا وذاك من قبيل هل تشمل الطلبات السيئة للنفس؟
لقد ورد نفس هذا المعنى في قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشتَهِى انفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا ماتَدَّعُونَ) (٢). (فصلت / ٣١)
قال بعض المفسرين : إنّ الجملة الاولى إشارة إلى جميع النعم المادية في الجنّة ، أمّا
__________________
(١). تفسير مجمع البيان ، ج ٥ ، ص ٥٦.
(٢). «يدَّعُون» من مادة «ادّعاء» (افتعال من دعاء) بمعنى طلب الشيء.