وربمّا تغطي هاتان الموجتان جميع أنحاء الكرة الأرضية إلّاأنّهما غير مسموعتين من قبل الناس العاديين ، والشخص الوحيد الذي يمكنه الاستماع هو الذي يستطيع تنظيم أمواج محطته مع الموجه الاولى إذ يمكنه عند ذاك الاستغراق في سماع النغمات الممتعة ، أمّا الذين ينظمون أمواج محطتهم مع الموجة الثانية فيلقون العذاب والشقاء وكان الفريق الأول في الجنّة والثاني في جهنّم ، وسنشرح هذا الكلام عمّا قريب بإذن الله.
* * *
وجاء في الآية الثالثة والأخيرة تعبير غني بخصوص عظمة الجنّة ، وظاهر الآية يُخاطب به الرسول صلىاللهعليهوآله : (وَاذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيتَ نَعِيماً وَمُلكاً كَبِيراً) (١).
وطرحت في تفسير الملك الكبير آراء متعددة تبلورت بصورة رئيسية حول محورين : فقال جماعة : إنّ الملك الكبير إشارة إلى سعة وعظمة الجنّة وما فيها من قصور وغرف وحدائق ، ومن جملة ذلك ماورد في أحد التفاسير : «إنّ أدناهم منزلة ينظر في ملكه من مسيرة الف عام ، وفي بعض الروايات لمسافة الفي سنة» (٢).
واعتبره آخرون إشارة إلى العظمة المعنوية للجنّة والمقامات الرفيعة لأهلها ، ومن جملة ذلك : أنّ الملائكة لا يدخلون عليهم إلّابإذنٍ منهم ، ويؤدّون لهم التحية والسلام ، أو أنّ الفناء والزوال لا وجود له هناك ، أو أنّ لكل واحد منهم هناك سبعين باباً (٣).
وفسّر جماعة آخرون «الملك» بمعنى الملكية ، والبعض الآخر قالوا إنّه يعني الحاكمية.
وقال آخرون في تفسير «الملك الكبير» أنّه يعني «القرب إلى الله والشهود المعنوي
__________________
(١). «ثَمّ» هنا ظرف مكان. و «رأيت» فعل لازم ، وعلى هذا يكون معنى الآية : عندما تنظر هناك ترى نعمة كبيرةوملكاً عظيماً. وبناءً على التفسير الآخر يكون «رأيت» فعل متعدّ و «ثمّ» اسم إشارة للبعيد ومفعول به ، فيكون مفهوم الآية : (إذا رأيت ذلك المكان رأيت نعيماً وملكاً كبيراً).
(٢). تفسير روح الجنان ، ج ١١ ، ص ٣٥٢ ؛ وتفسير القرطبي ، ج ١٠ ، ص ٣٦٦٩ ؛ وتفسير المعاني ، ج ٢٩ ، ص ١٦١ ؛ وتفسير مجمع البيان ، ج ٩ و ١٠ ، ص ٤١١.
(٣). تفسير البرهان ، ج ٤ ، ص ٤١٥ ؛ وتفسير مجمع البيان ، ج ٩ و ١٠ ، ص ٤١١.