أمّا الآية الثانية فهي انعكاس ـ ولكن بتعابير أُخرى ـ لنفس هذه القضية ، فهناك كان الكلام عن السباق وهنا عن المسارعة ، وهناك أوضحت الآية أنّ سعة الجنّة بعرض السماء والأرض ، وهنا حُذِفت «كاف» التشبيه ، وحلّت كلمة السموات محل كلمة السماء ، وأشارت الآية هناك إلى أنّها ـ أي الجنّة ـ اعدّت للذين آمنوا بالله ورسله ، وهنا تقول الآية أنّها : «اعدّت للمتقين» حيث نصّت على : (وَسَارِعُوا الَى مَغفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُهَا السَّموَاتُ وَالْأَرضُ اعِدَّت لِلمُتَّقِينَ).
ولا يخفى أنّ «التسابق» يرتبط «بالمسارعة في العمل» وأنّ «المتقين» هم «الذين يؤمنون بالله ورسله» وذلك لأنّ التقوى هي انعكاس للإيمان الراسخ ، وكلمة «السماء» تنطوي أيضاً على معنى الجنس الذي يشمل جميع السموات ، إذن فالآيتان في واقعهما تنشدان حقيقة واحدة.
وهنا واجه الكثير من المفسّرين سؤالاً حول ما إذا كانت سعة الجنّة كعرض السموات والأرض ، فلن يبقى هناك مكان للنار!
ويمكن تبيان جواب هذا السؤال بالصورة الآتية ، وهي أنّ العالم يومذاك سيكون أوسع بمرّات عديدة من عالمنا هذا ، لأنّه عالم أفضل وأكمل ، وستكون سعة الجنّة فيه بسعة السماء والأرض في عالم اليوم ، والنّار في معزل عنه ، لأنّ ذلك العالم أوسع من عالمنا اليوم في جميع الجوانب.
وهناك جواب آخر أيضاً عن هذا السؤال يتلخص في أنّ النور والظلام متزاحمان ، وكذلك النعمة والنقمة في هذا العالم ولا تجتمعان طبعاً في مكان واحد ، ولكن ذلك العالم لا يحفل بمثل هذا التزاحم ، فربّما يوجد الاثنان معاً وهما يغطّيان العالم في وقت واحد ، وبما أنّهما مرحلتان من مراحل الوجود والكينونة فهما لا يتزاحمان مع بعضهما.
ويمكن الإتيان بمثال بسيط لتوضيح هذا المعنى في الأذهان وهو : ربّما تقوم احدى محطات الارسال الاذاعي ببث صوت رقيق وناعم على احدى موجاتها وفي نفس الوقت ينبعث من محطّة إرسال أُخرى صوت مزعج وكريه يصمّ الآذان مصحوباً بأنغام مرعبة ،