فتدل هذه الآيات على الوجود الحالي لجهنّم أيضاً وقد صرح بهذا المعنى جماعة من المفسرين ، رغم ما ورد بشأنها من تفسير ، وما قيل في معنى «اعدّت» فمع أنّه فعل ماض إلّا أنّه يدل على المستقبل لأنّ المستقبل المؤكد يأتي أحياناً على صيغة الفعل الماضي ، وهذا بخلاف ظاهر الآية ، ومثل هذا التفسير غير ممكن بلا وجود شاهد وقرينة.
وتتحدث الآية الخامسة عن قصة معراج النبي صلىاللهعليهوآله قائلة : (وَلَقَد رَءَاهُ نَزلَةً أُخرى * عِندَ سِدرَةِ المُنتَهَى * عِندَهَا جَنَّةُ المَأْوَى).
لكن هل أنّ «جنّة المأوى» هي جنّة البرزخ أم أنّها جنّة الخلد؟
فالمفسرون يختلفون في الحكم على هذا الموضوع ، فكلمة «المأوى» ربّما تستدعي إلى الذهن معنى الخلود رغم ما يفترضه كون هذه الجنّة في بعض السموات من تداعي معنى الجنّة البرزخية ، لأنّ جنّة الخلد تمتد على سعة الأرض والسموات.
وعلى هذا فالاستدلال بالآية الآنفة الذكر بشأن مخلوقية الجنّة لا يتطابق إلّامع التفسير الأول ، ورجّح جماعة من المفسرين هذا المعنى ، منهم : الطبرسي في مجمع البيان والعلّامة الطباطبائي رحمهالله في الميزان.
وتتحدث الآية التالية عن احاطة جهنّم بالكافرين بسبب اصرارهم وعنادهم إذ يقول القرآن الكريم : (يَسْتَعجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَانَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالكَافِرِينَ).
إنّهم لم يؤججوا لأنفسهم جهنّم الدنيا بشركهم وذنوبهم وعصيانهم وظلمهم فحسب بل وحتّى جهنّم الآخرة قد أصبحت محيطة بهم لاسيما مع التنّبه إلى بداية الآية التي تتحدث عن استعجال الكّفار بالعذاب ، ومن المناسب هنا القول : لماذا تستعجلون فإنّكم الآن في جهنّم إلّاأنّ حجب هذا العالم تحول دون تأثيرها المباشر عليكم ، لكن هذه الحجب ستزول يوم القيامة وتشاهدون حينها بأعينكم إحاطة جهنّم بكم (١).
وطرح احتمال آخر في تفسير هذه الآية وهو أنّها إشارة إلى يوم القيامة ، والآية التالية لها والتي جاء فيها : (يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوقِهِم). (العنكبوت / ٥٥)
هي بمثابة القيد لإحاطة جهنّم.
__________________
(١). رجح المرحوم العلّامة الشعراني هذا المعنى في هامش تفسير روح الجنان ، ج ٩ ، ص ٣٠.