وبعبارة اخرى ، جُعلت هذه الجملة إشارة إلى المستقبل المؤكد ، فكما ذكرنا أنّ اللغة العربية تعبر عن المستقبل المؤكد «المضارع المتحقق الوقوع» بالحال حيناً وبالفعل الماضي حيناً آخر.
ويمكن الاستعانة بآيات سورة الانفطار لتأكيد التفسير الأول حيث جاء فيها : (انَّ الْأَبْرَارَ لَفِى نَعِيمٍ* وَانَّ الفُجَّارَ لَفِى جَحِيمٍ* يَصْلَونَهَا يَوْمَ الدِّينِ* وَمَاهُم عَنهَا بِغَائِبِينَ).
يتّضح من هذا التعبير أنّ «الصلي» يكون يوم القيامة إلّاأنّ جهنّم محيطة بالكافرين الآن ، رغم أنّ الحجب تحول دون احتراقهم في الدنيا ، لاسيما ما ورد في جملة : (وَمَا هُم عَنهَا بِغَائِبِينَ) فهو تأكيد مجدد على هذا المعنى (فتأمّل).
وتخاطب الآية الآخيرة منكري يوم القيامة قائلة : (كَلَّا لَو تَعلَمُونَ عِلمَ اليَقِينِ* لَتَرَوُنَّ الجَحِيمَ) ثم تضيف مؤكّدة : (ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَينَ اليَقِينِ).
ولو أننا أخذنا معنى الآية كما هو في الظاهر (واعتبرنا «لو» شرطاً وجزاؤها «لترونّ الحجيم») لكانت تعني : إنّ الذين لديهم «علم اليقين» يشاهدون جهنّم وهم في هذا العالم ، وهذا الكلام يستلزم وجودها حالياً.
أثار المفسرون ضجّة في تفسير هذه الآية ، واختار كل منهم طريقاً خاصاً وكأنّهم في الغالب لم يتمكنوا من هضم هذا المعنى وهو إمكانية إشارة هذه الآيات إلى مشاهدة جهنّم في الدنيا ، ومن ثم مشاهدتها في الآخرة.
فنحن نرى عدم إمكانية اعتبار الآية مكرّسة تماماً للآخرة وذلك لأنّ جميع الكفار والمجرمين يرون جهنّم في القيامة وهذا ممّا لايحتاج إلى الشرط ، ولهذا اعتقد جماعة بحذف جزاء الشرط هنا بل وادّعى الفخر الرازي اتّفاق المفسرين على هذا المعنى (١). ولكن من البديهي أنّ هذا الكلام مبالغ فيه فليس هناك اتّفاق في الآراء بشأن هذه المسألة ، وعلى أيّة حال فقد اعتبر جماعة من المفسرين أنّ المعنى يكون هكذا : «لو تعلمون علم اليقين لما ألهاكم التكاثر» (٢).
__________________
(١). تفسير الكبير ، ج ٣٢ ، ص ٧٨.
(٢). تفسير مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٥٣٠.