أمّا المجموعة الأخرى التي رأت عدم صحة الرأي القائل بحذف الجزاء ، فإنّها اعتبرت الرؤية علمية وقلبية ، واستناداً إلى هذا سيكون معنى الآية : «لو أنّكم علمتم علم اليقين لأيقنتم بجهنم».
من الواضح أنّ كلا التفسيرين الأول والثاني يخالف ظاهر هذه الآيات ، لأنّ اعتبار الجزاء محذوفاً يخالف القاعدة وكذلك تفسير الرؤية بمعنى العلم (١).
وعلى هذا لو أننا أخذنا الآية كما هي من غير حذف أو تقدير ، وفسّرنا ألفاظها طبقاً لمعناها الحقيقي : فستكون النتيجة نفس التفسير المذكور آنفاً ، وقد ارتضى بعض المفسّرين هذا المعنى ولو بأعتباره واحداً من الاحتمالات على أقل تقدير.
ويلحظ في الروايات الإسلامية تعابير واضحة تتسّق وهذا المعنى ، من جملتها القصّة المشهورة لذلك الشاب المؤمن والتي وردت في كتاب الكافي وبصورة حديث منقول عن الإمام الصادق عليهالسلام أنّه قال «إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله صلّى بالناس الصبح ، فنظر إلى شاب في المسجد وهو يخفق ويهوي برأسه ، مصفرّاً لونه ، قد نحف جسمه وغارت عيناه في رأسه ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآله كيف أصبحت يافلان؟ قال : أصبحت يارسول الله موقناً ، فعجب رسول الله صلىاللهعليهوآله من قوله وقال : إنّ لكل يقين حقيقة فما حقيقة يقينك؟ فقال : إنّ يقيني يارسول الله هو الذي أحزنني وأسهر ليلي واظمأ هواجري فعزفت نفسي عن الدنيا وما فيها حتى كأنّي أنظر إلى عرش ربّي وقد نصب للحساب وحُشر الخلائق لذلك وأنا فيهم وكأنّي أنظر إلى أهل الجنّة ، يتنعمون في الجنّة ويتعارفون وعلى الارائك متكئون وكأنّي أنظر إلى أهل النّار وهم فيها معذبون مصطرخون وكأنّي الآن أسمع زفير النّار يدور في مسامعي ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله لأصحابه : هذا عبدٌ نوّر الله قلبه بالإيمان ، ثم قال له ، ألزم ما أنت عليه ، فقال الشاب : ادع الله لي يارسول الله أن ارزق الشهادة معك فدعا له رسول الله صلىاللهعليهوآله فلم يلبث أن خرج في بعض غزوات النبي صلىاللهعليهوآله فاستشهد بعد تسعة نفر وكان هو العاشر» (٢).
__________________
(١). كلمة «الرؤية» تفيد معنى العلم أيضاً وذلك فيما لو تعدت إلى مفعولين ، بينما هذه الآية ليست كذلك ، وينبغي الالتفات إلى أنّ الآية التالية «ثم لترونّها عين اليقين» يمكن أن تشير إلى القيامة.
(٢). اصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٥٣ باب حقيقة الإيمان ، ح ٢ (مع بعض التلخيص).