ولكن كلا هذين الاحتمالين يخالف معنى التعبير الظاهري لجنّة المأوى.
وجاء في قوله تعالى : (وَفِى السَّمَاءِ رِزقُكُم وَمَا تُوعَدُونَ). (الذاريات / ٢٢)
إذ يعتقد كثير من المفسرين أنّ المقصود من «ماتوعدون» هي جنّة الخلد التي وعد الله بها عباده (١) ، وقال جماعة إنّ هذا يشمل الجنّة والنّار رغم قول البعض أنّ الغرض هو الإشارة إلى العذاب الدنيوي الذي ينزل على الكفّار والجبابرة (كعذاب قوم نوح وقوم لوط وأمثالهما).
محصّلة هذا الكلام هو أنَّ جنّة الخلد تقع في مارواء السماء الدنيا وسعتها كعرض السماء والأرض أو أنّها أوسع من ذلك بعدّة مرّات لعدم وجود ما هو أوسع من هذا البيان ليصف به القرآن سعة الجنّة ، وعلى هذا الأساس فهي موجودة ومكانها في السماء وسعتها كعرض السماء والأرض في هذه الدنيا.
وقد طرح بعضهم عدّة مؤاخذات على هذا الرأي وهو إذا كانت الجنّة فوق الفلك التاسع فهذا يستلزم أنّها كائنة في اللامكان واللاجهة! وهي إنّ كانت واقعة في طبقات السماء أو بين فلكين من هذه الأفلاك فهذا إمّا يستلزم التداخل أو انفصال الأفلاك عن بعضها ، وكل هذا محال ولا يتّسق مع التعبير القرآني القائل : إنّ سعتها كعرض السموات والأرض.
ولا يخفى أنّ هذا الاعتراض قائم في الحقيقة على أساس هيئة بطليموس والأفلاك التسعة التي يعتقد أنّها قائمة فوق بعضها كطبقات قشرة البصل ولا يوجد بينها أي فاصل ولكن بعد أن ثبت الآن بالدلائل القطعية بطلان هذه العقيدة ، وحتى أنّ بطلانها في بعض الحوانب ثبت حسّياً ، لم يَعُد هناك أي دليل تستند عليه مثل هذه الاعتراضات ولا يوجد هناك أي مانع من وجود عوالم كبيرة اخرى أوسع بكثير من سمائنا وأرضنا هذه فوق هذه النجوم الثابتة والسيارة وفوق المجّرات ، وعليه فلا تتعارض مع مفهوم الآية الآنفة الذكر أيضاً.
__________________
(١). صرّح بذلك المرحوم الطبرسي في تفسير مجمع البيان ؛ والفخر الرازي في التفسير الكبير ؛ والعلّامة الطباطبائي في تفسير الميزان ؛ والبرسوئي في تفسير روح البيان ؛ في ذيل الآية ٢٢ من سورة الذاريات أو ذيل الآية ١٥ من سورة النجم أو في كليهما.