أمّا الرأي الثالث الذي يمكن طرحه في هذا الصدد فهو أنّ كلًّا من الجنّة والنّار تقعان في باطن هذا العالم ، وحجب عالم الدنيا تحول دون رؤيتهما ، لكن أولياء الله بإمكانهم مشاهدتهما ، وقد استطاع النبي الكريم صلىاللهعليهوآله أثناء معراجه حيث صار بعيداً عن ضجيج سكان هذا العالم ، أن يرى بعينه الملكوتية قطعة من الجنّة في العالم الأعلى ، وحتّى أنّ أولياء الله قد يتاح لهم بين الفينة والأخرى أثناء بعض النفحات مشاهدة ذلك وهم على الأرض!
وقد تكون الآيات التالية إشارة إلى هذا المعنى : (انَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ). (العنكبوت / ٥٤)
وقال : (انَّ الْأَبرَارَ لَفِى نَعِيمٍ* وَانَّ الفُجَّارَ لَفِى جَحِيمٍ). (الانفطار / ١٣ ـ ١٤)
وكذلك : (كَلَّا لَو تَعْلَمُون عِلْمَ اليَقِينِ* لَتَرَوُنَّ الجَحِيمَ). (التكاثر / ٥ ـ ٦)
يمكن تشبيه وجود الجنّة في باطن هذا العالم بماء الورد في الورود ، فمع أنّ ماء الورد مادّة وكذلك الورود لكن ذلك لايمنع من وجود أحدهما مخفياً داخل الآخر فلا يشاهد بالعين.
والتشبيه الآخر الذي يمكن الإتيان به لتقريب الموضوع إلى الأذهان ، وهو تشبيه سبق ذكره حيث توجد أشياء كثيرة في عالم المادّة هذا لا يتيسّر لنا إدراكها في الظروف الاعتيادية ، وكثير منها موجود في داخل هذا العالم المادّي فعلى سبيل المثال توجد في فضاء هذا العالم أمواج إذاعية عديدة تبثها في الفضاء محطات الاذاعة العالمية ، وتصل أحياناً بواسطة الأقمار الصناعية إلى جميع أرجاء العالم ، وتوجد أنواع متعددة من هذه الموجات في كل بيت ، لكنّ أحداً لايشعر بها ، ولعل بعضها يحمل أنغاماً وأصواتاً جذّابة ورائعة ، وقد يحمل بعضها الآخر أصواتاً مزعجة وصفّارات انذار وأنغاماً تشمئز منها النفوس ، وكذلك محطات التلفزة ، فقد تبث صوراً ومشاهد جميلة وجذّابة وتربوية فيما تبث محطّات اخرى مشاهد الحرب والدمار والخراب والمذابح والحرائق والجرائم ، وكل هذه الصور والمشاهد والأصوات المختلفة موجودة في عالمنا المادي هذا وفي هذا الفضاء