المحيط بنا ، وقد اصطنعت لنفسها جنّةً وناراً في داخل هذا العالم ، فيقوم بعض الناس بتنظيم أجهزة الاستلام لديهم مع الأصوات الجّذابة والأنغام المريحة والمشاهد الممتعة والمفيدة ، بينما ينظم البعض الآخر أجهزة الاستلام ـ اختياراً أو اضطراراً ـ مع الأنغام والأصوات والمشاهد المعاكسة للُاولى ، فيعيش الفريق الأول أجواء عالم ممتع ، والفريق الثاني يعيش في عالم من العذاب والأذى ، وهذه كلها كامنة في قلب هذا العالم المادّي.
نأمل عدم حصول الالتباس في الفهم ، فنحن لا نقول أبداً إنّ الجنّة والنّار هكذا تماماً بل نقول ما المانع في أن يكون في عمق هذا العالم عالم آخر أو عوالم اخرى ونحن لا نتمكن في الظروف الحالية من الاطّلاع عليها مطلقاً لوجود الحجب المتعددة الحائلة بيننا وبينها؟ إنّ من أوتي القدرة على إزاحة هذه الحجب فبإمكانه رؤية تلك العوالم حتّى وإن كان هو في هذا العالم ، (فتأمّل).
وقد اتيح للنبي الكريم صلىاللهعليهوآله أثناء معراجه إلى السماء ـ حيث خفّت ضجّة عالم المادّة ، وتتقلصت الهموم والمشاغل وتتعاظمت مظاهر جلال الله وجماله ـ ازاحة الحُجب ومشاهدة جوانب من العالمين (الجنّة والجحيم) الواقعتين داخل هذا العالم.
وليس معنى هذا أنّ الرسول الكريم صلىاللهعليهوآله أو سائر أولياء الله لا يتمكّنون من مشاهدة الجنّة والنّار وهم على الأرض ، بل إنّ هذا قد حصل أيضاً في بعض الأوقات على الأرض كما يتّبين من بعض الروايات.
جاء في الحديث الذي نقله الراوندي في «الخرائج» أنّ أصحاب الإمام الحسين عليهالسلام حين أكدوا له وفاءهم الكامل له وامتنعوا عن مغادرة الميدان ونقض البيعة : «دعا لهم بالخير وكشف عن أبصارهم فرأوا ما حباهم الله من نعيم الجنان وعرّفهم منازلهم فيها» (١).
ويروي مؤلف كتاب «مقتل الحسين» بعد ذكره لهذه الرواية : «وليس ذلك في القدرة الإلهيّة ولا في تصرفات الإمام بغريب ، فإنّ سحرة فرعون لما آمنوا بموسى عليهالسلام وأراد فرعون قتلهم آراهم النبي موسى منازلهم في الجنّة» (٢).
__________________
(١). الخرائج للراوندي طبقاً لما ورد في «مقتل الحسين» للمقرم ، ص ٢٦١ ؛ وبحار الأنوار ج ٤٤ ، ص ٢٩٨.
(٢). أخبار الزمان للمسعودي ، ص ٢٤٧ (استناداً إلى مقتل الحسين ، ص ٢٦١).