ويُستَشفُ منها أيضاً معنى الهدوء والسكينة.
قال البعض : إنّ هذا التعبير إشارة لطيفة إلى هذه الحقيقة وهي أنّ دار الدنيا ليست مأوى الإنسان (أي ليست دار مقّره النهائي) ، بل هي ممر يجتازه ، أو كما وصفتها الرواية المشهورة «الدنيا قنطرة» فهي ليست محل استقرار وثبات.
ولا يخفى أنّ مثل هذا الوصف ينطبق على جميع الجنّة ، ومع ذلك فقد نُقِل عن ابن عبّاس أنّه قال : حدائق الجنّة ثمان : إحداها جنّة المأوى ، وسواها هي (دار الجلال) و «دارالقرار» و «دار السلام» و «جنّة عدن» و «جنّة الخلد» و «جنّة الفردوس» و «جنّة النعيم».
سبق أن قلنا أنّ «النزل» تعني أول مايُستقبل به الضيف (كما يُستقبل اليوم مثلاً بالعصير أو الماء البارد أو الشاي). وإذا كان الأمر كذلك فهو يدل على أنّ جنات المأوى ـ رغم سعتها وعظمتها ـ فهي أدنى درجات الاستقبال لعباد الله المخلصين! وعلى هذا فإنّ الاستقبال والتكريم الأساس لهم هي تلك النعم التي تتضاءل أمامها جّنات المأوى ، وهي ليست سوى قرب الإله ولقائه وجنّة معرفة جلاله وجماله.
* * *
التعبير الآخر الذي استخدمه القرآن الكريم لوصف مستقر هذه الرحمة الإلهيّة الكبرى هو «جنات الفردوس» إذ يقول القرآن في هذا الصدد : (انَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِردَوسِ نُزُلاً).
هناك اختلاف بين المفسرين وأصحاب اللغة في أصل كلمة (فردوس) هل هي رومية أم سريانية أم نبطية أم حبشية أم عربية؟ كما اعتبرها البعض فارسية الأصل تحوّرت إلى «پراديزس» و «پراديز» ثم إلى «فردايس» و «فردوس».
وقد ذكروا معاني عديدة لهذه الكلمة ؛ منها : الحديقة والبُستان ، وحدائق العنب والحدائق الشاملة لكل الأزهار والثمار ، والحدائق المغطّاة بالأشجار والتي تحوي الكثير من المياه ، وأحياناً الحاوية للكثير من العنب.