«الجنّات» : جمع «جنّة» ولعل استعمال الجمع هنا لبيان أنّ لكل واحد من أصحاب الجنّة جنّة خاصة به فيكون جمعها جنّات ، والنعيم هو جمع «نعمة» لأنّ الجنّة تحوي دوماً أنواع النعم المادّية والمعنوية ، لا كمثل حدائق الدنيا التي تكون أحياناً مدعاة للتعب والمعاناة والألم وأحياناً سبباً للراحة والنعمة ، إضافة إلى أنّ حدائق الدنيا تضم كل واحدة منها نعمة واحدة لا جميع النعم.
وما يسترعي الانتباه هنا هو أنّ الله ذكرهم أوّلاً ، فقال : (اولَئِكَ المُقَرَّبُونَ) ومن ثم انتقل إلى ذكر «جنات النعيم» ومن الواضح أنّ جنات النعيم وبكل ماتزخر به من نعمة وعظمة لا تمثل في قبالة القرب الإلهي إلّاقطرة في بحر.
وقد تكررت هذه الكلمة (جنّة النعيم ، وجنات النعيم) ، عشر مرات في الآيات الشريفة والتكرار دليل على التأكيد والأهميّة (١).
وتجدر الإشارة إلى أنّ الإنسان كلما اقترب في هذه الدنيا من مراكز القوى ازداد قلقه ، لأنّه يعيش دوماً في حالة من الوجل والهواجس والرعب خوفاً من تغيير آراء أصحاب القوّة بشأنه فيسقط ويتعرض لأشد أنواع العقوبة والتنكيل ، ولهذا يحذّر أهلُ المعرفة وكبار الشخصيات من «التقرّب إلى السلطان» ، وأمّا القرب من الإله فعلى العكس من هذا تماماً ، فلا يشعر بغير الاطمئنان واللذة الروحية والمعنوية ، وجنّات النعيم.
وهناك قضّية تستدعي الدقّة أيضاً وهو ماورد في الروايات العديدة التي جاءت في ذيل الآية الشريفة : (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ). (التكاثر / ٨)
حيث فُسر «النعيم» بـ «نعمة الولاية» (٢) ، ومن هذا المنطلق فمن المحتمل أنّ جنّات النعيم هي جنّة الولاية ، ولاية الله وأوليائه ، ومحبّتهم والاستضاءة بنورهم المعنوي.
__________________
(١). المائدة ، ٦٥ ؛ يونس ، ٩ ؛ الحج ، ٥٦ ؛ الشعراء ، ٨٥ ؛ لقمان ، ٨ ؛ الصافات ، ٤٣ ؛ الواقعة ، ١٢ ـ ٨٩ ؛ القلم ، ٣٤ ؛ المعارج ، ٣٨.
(٢). للحصول على مزيد من المعلومات عن هذه الأحاديث راجع كتاب بحار الأنوار ، ج ٢٤ ، الباب ٢٩ ، ص ٤٨ وماتلاها.