أمّا هل أنَ «جنّات النعيم» تشمل كل الجنّة أم تُشير إلى بقع مهمّة منها؟ فهنالك احتمالان ، فمن جهة ، قد يكون الوعد الإلهي للمقّربين دليلاً على الاحتمال الثاني لاسيما وأن تعبيراً مشابهاً لهذا قد ورد في من نفس هذه السورة : (فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ المُقَرَّبِينَ* فَرَوحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ). (الواقعة / ٨٨ ـ ٨٩)
* * *
المجموعة السادسة والأخيرة من هذه الآيات تشير باختصار إلى أربع روضات من رياض الجنّة مع عدة خصائص، كل اثنين منهما على حدة، إذ قال الكتاب الكريم : (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) (ذَوَاتَا أَفْنَانِ) (وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ) (مُدْهَامَّتَانِ).
كانوا يتصوّرون أنّ هذه الحدائق الأربع كلها لجميع المؤمنين ، وهذا التعدد من أجل إيجاد التنوع لأنّ طبيعة الإنسان تميل إلى التنوّع ، لكن لهجة الآيات وكذلك الروايات الواردة في تفسيرها تظهر لنا بوضوح أنّها ـ أي تلك الحدائق ـ من نصيب فئتين مختلفتين وعبارة «من دونهما» تعطي معنى الأدنى ، وعلى هذا الترتيب فروضتان من رياض الجنّة من نصيب «المقّربين» واثنان أدنى منهما من نصيب «أصحاب اليمين» وهذا في الحقيقة إشارة إلى درجات ومراتب أهل الجنّة ، وهذا ما ينبغي أن يكون وذلك لأنّ أهل الجنّة ليسوا على سواء في المرتبة والدرجة.
لقد وصف النبي صلىاللهعليهوآله هذا الاختلاف بعبارات جميلة في حديث ورد عنه إذ قال : «جنّتان من فِضّة آنيتهما وما فيهما ، جنّتان من ذهب آنيتهما وما فيهما» (١).
وورد نفس هذا المعنى في حديث أكثر صراحة عن الإمام الصادق عليهالسلام أنّه قال : «لا تقولَنَّ واحدة إنّ الله يقول : ومن دونهما جنّتان ، ولا تقولن درجة واحدة إنّ الله يقول : درجات بعضها فوق بعض ، وإنّما تفاضل القوم بالأعمال» (٢).
__________________
(١). تفسير مجمع البيان ، ج ٩ ، ١٠ ، ص ٢١٠.
(٢). المصدر السابق.