٢ ـ قال تعالى في موضع آخر : (اذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا* وَاخرَجَتِ الْأَرْضُ اثْقَالَهَا). (الزلزال / ١ ـ ٢)
وهنا يطرح هذا السؤال هل أنّ هذه الزلزلة هي نفس الزلزلة التي تعمّ جميع أنحاء الكرة الأرضية عند نهاية الكون وتؤدّي إلى تدمير العالم بأسره؟ أم أنّها هي التي تقع أثناء يوم القيامة؟ هناك اختلاف بين المفسرين بصدد هذه الآية ولقد نقل الفخر الرازي في تفسيره كلا التفسيرين (١) ولكن إذا تأملنا الآية الثانية من هذه السورة : (وَاخرَجَتِ الْأَرْضُ اثْقَالَهَا) لكان المعنى الثاني هو الأنسب مع سياق الآية ، وذلك لأنّ (الاثقال) جمع (ثَقَل) أي يخرج كل ما دفن في الأرض ، وهناك احتمال قوي أنّ المراد بالأثقال الموتى حيث يخرجون من قبورهم كما ورد في قوله تعالى : (وَالْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ). (الانشقاق / ٤)
وبهذا المعنى تحدث الزلزلة الثانية قبل إحياء الأموات وشروع القيامة ، وهذه الزلزلة تعمّ كل الكون على خلاف سائر الزلازل التي تتحدد بمنطقة صغيرة ، فإنّ تعبير : (اذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ) يفيد الاطلاق وتعبير زلزالها يؤكد هذا المعنى.
ولقد ورد ما يشابه هذا التعبير بل وبصورة أوضح في قوله تعالى : (يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ) (٢). (ق / ٤٤)
ويتضح من الآيات أعلاه أنّ انشقاق الأرض بأسرها وخروج الناس دفعة واحدة من قبورهم يكون متزامناً مع وقوع زلزلة عنيفة تشمل كل أرجاء العالم.
إنّ هذه الزلزلة تقع قبيل إحياء الأموات وليس في نهاية العالم خاصة ، وقد ورد في الآية تعبير (حشر) بدلاً من إحياء الأموات ، والحشر يعني (اجتماع الناس بعد إحيائهم أو جمع أجزاء الأبدان المتفرقة أو جمع الأرواح والأجساد).
إنّ هذه الزلزلة وعلى خلاف سائر أنواع الزلازل زلزلة بناء وإعمار ، فهي ليست مدمرة أو مميتة بل إنّها تاتي لإخراج الناس من قبورهم ليستأنفوا حياة جديدة.
__________________
(١). التفسير الكبير ، ج ٣٢ ، ص ٥٨.
(٢). «تُشقق» ، كانت في الأصل تتشقق فحذفت احدى التائين.