عودة لهذا العالم بعد هذه الحياة ، ولا وجود هناك للتكليف والطاعة والذنب ، وعلى هذا ، ما المفهوم الذي ستحمله عقوبة باهضة كدخول النّار؟ هذا من جانب.
ومن جانب آخر فإنّ الهدف من جميع التعاليم الدينية هو تربية وتهذيب وتكامل الإنسان ، وإن لم يقبل بذلك بعض الناس فستكون عقوبتهم الحرمان من بلوغ الدرجات الرفيعة.
فما هي الضرورة لوجود جهنّم ، ومركز الغضب والعقاب الصارم؟
وللاجابة عن هذه التساؤلات ينبغي الالتفات إلى نقطتين :
١ ـ قلنا مراراً إنّ العقوبات الإلهيّة سواء في هذا العالم أوفي عالم الآخرة هي نتيجة لأعمال الناس أنفسهم ، وإنّما تنسب إلى الله جلّ شأنه باعتباره مسبب الأسباب ، فالكثير من نعم الجنّة هي تجسيد لأعمال الإنسان الصالحة ، والكثير من عذاب جهنّم تجسيد لأعماله السيّئة ، ونحن نعلم أنّ نتائج العمل وآثاره ليست بالأمر الهيّن الذي يمكن التساهل فيه.
فمثلاً ، الشخص الذي يتناول المشروبات الروحية والمخدّرات ، ليقضي فترات من الراحة وهدوء البال ـ حسبَ تصوره ـ في ظل هاتين المادّتين المخدّرتين ، ولينتشي باللذة المتأتّية من نسيان الدنيا ، يُحذَّر بأنّ هاتين المادتين المخدّرتين هما من عوامل الافساد والتحلل وستؤدّيان في النهاية إلى القضاء عليه ، فالمشروبات الكحولية تسبب له أمراض القلب والشرايين والاعصاب والكبد ، والمخدّرات تدمر أعصابه بل وتُنهي كل كياته.
فاذا لم يُصغ إلى هذا الانذار وتمادى في ممارسته الخاطئة فانّه سيواجه عقوبته وجزاءه وهذا لا يحتاج إلى فلسفة ودليل سوى قانون العلّية ، وهي النتيجة الطبيعية لعمل كل إنسان وغالباً ماتكون الذنوب على هذه الشاكلة ، وتعقبها نتائج في هذه الدنيا ، وفي الآخرة فهي تتجسد على صورة العذاب في جهنّم.
ولهذا يُلحظ هذا التعبير الذي يتكرر كثيراً في الآيات الشريفة والذي يقول : إنّكم تجزون ما كنتم تعملون فنقرأ في قوله تعالى : (وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّت وُجُوهُهُمْ فِى النَّارِ هَل تُجزَونَ إِلَّا مَاكُنْتُمْ تَعمَلُونَ). (النمل / ٩٠)