المالية والحرمان من بعض الحقوق الاجتماعية) فلا يمكن أن يطلق عليه قانوناً.
فكيف تكون القوانين الإلهيّة ـ والحالة هذه ـ خالية من الضمانة التنفيذية؟! فهي عندئذٍ تفقد قيمتها القانونية ، ولايرى المخالفون لها والمتخلفون عنها أي دافع أو وازع لإطاعتها والالتزام بها ، ويبقى هدف القانون عقيماً.
صحيح أنّ الآثار الوضعية والطبيعية لعدم الالتزام قد تكون رادعاً للذين يقومون بمخالفات شرعية ، إلّاأنّها غير كافية لوحدها ، ولهذا فقد أدرج سبحانه وتعالى سلسلة من العقوبات لمن يتخلف عن الالتزام بها ، فكما يهدد أقواماً بالعقوبة الدنيوية (وأمثلة ذلك كثيرة وقد تحققت في الوجود الخارجي وأشار إليها القرآن في تبيانه لحياة الأقوام السالفة) فهو ـ جلّ شأنه ـ قد وضع أيضاً العقوبات في الآخرة لمن يتوانى عن التقيّد بها.
ومن الواضح كذلك أنّه كلما اشتّدت لهجة الترغيب والترهيب ، كلّما كان التأثير أقوى وأكثر.
وهذا الأمر يوضّح أحد الأبعاد الأساسية لفلسفة وجود الجنّة والنّار.
وربّما يقال هنا إنّ جميع الآثار التي عُرضت إنّما تترتب على الوعيد بالعقاب والجزاء ، وعلى هذا ، فما المانع من أن يكون سبحانه وتعالى قد عرض كل هذه التهديدات والتحذيرات ، إلّاأنّها لا تتحقق في القيامة ، لعدم وجود ضرورة لها ، وذلك لخلو ذلك العالم من دروس العبرة للآخرين وانعدام تكرار الذنب من قبل المجرمين؟
إنّ هذا الكلام يستلزم أن يرتكب الله عزوجل ، القبيح وأنّه ـ والعياذ بالله ـ يكذب ويتخلف عن وعده فهو يوعد بالعقاب للمتخّلفين وحتّى أنّه يُقسم بتنفيذ وعيده ، وكيف لا يطبق ذلك فعلياً؟! من البديهي أنّ هذا الفعل قبيح لا يليق بذاته المقدّسة بل ولا يفعله الإنسان المهذب الحكيم.
والنتيجة : أنّ وجوب التهديد والوعيد بالعقاب والجزاء ضمانة تنفيذية ، هذا من جهة ، ومن جهة اخرى ، لابدّ من تطبيق تلك الوعود والتهديدات لدفع القبح عن ذاته المقدّسة.
وهذه هي فلسفة وجود جهنّم وعقوباتها.