وعلى هذا المنوال فعذابه لا نظير له ، وتوثيقه في الحبال لم يجر على أحدٍ من قبله ولا من بعده على ضوء الآية.
وهذه التعابير بشكل عام تحمل أبعاداً تربوية تحثّ الناس على خشية الله وتجنّب أليم عقابه ، لأنّ أذهان الناس قد اعتادت على أنّ «الله أرحم الراحمين» فهو لا يعذّب عباده وإذا عاقبهم فعقوبته خفيفة جدّاً ، وهذا الوهم يدفع إلى الجرأة على ارتكاب المعاصي والذنوب ، ولذلك يفصح القرآن وبشكل صريح عن وجود ذلك العذاب ليخرج الناس هذه التخيّلات الباطلة من أذهانهم ويراقبوا أعمالهم.
* * *
وانعكس نفس المعنى في الآية الثالثة إلّاأنّه ورد بتعبير آخر فهي تتحدث عن الكفّار الذين يديرون ظهورهم للحق فتقول : (فَيُعَذِّبُهُ اللهُ العَذَابَ الاكبَرَ).
«والعذاب الاكبر» : إشارة إلى عذاب يوم القيامة في قبالة العقوبات الدنيوية التي وُصِفت «بالعذاب الأدنى» كما نصت من سورة السجدة : (وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدنَى دُونَ العَذَابِ الأَكبَرِ). (سجدة / ٢١)
وتجدر الإشارة إلى أنّ العذاب الإلهي في الدنيا قد يكون أحياناً شديداً جدّاً بحق القوم المجرمين كما حصل لقوم لوط إذ دَكَّ مدنهم وقُراهم دكّاً وجعلهم هم وإيّاها قاعاً صَفْصَفاً ، ومع ذلك فهذا العذاب يبقى عذاباً أدنى في مقابل عذاب القيامة وهذا ما يُنْبيء عن شدّة العقوبة يوم القيامة.
* * *
وفي الآية الرابعة ورد تبيان لقسم من العذاب الصارم الذي يلقاه أصحاب النّار ، فيقال يومذاك لمنكري القيامة ومحكمة العدل الإلهي ، اذهبوا إلى ماكنتم به تكّذبون : (انْطَلِقُوا الَى ظِلٍّ ذِى ثَلَاثِ شُعَبٍ* لَّاظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِى مِنَ اللهَبِ* انَّهَا تَرْمِى بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ* كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ).