تستعرض هذه الآيات أوصافاً مثيرة حول شدّة عذاب جهنّم إذ يُقال لمنكري هذه المحكمة الإلهيّة الكبرى والمحملين بشتّى المعاصي والذنوب :
أولا : انطلقوا إلى ظل ؛ ولكن أي ظل؟ الظل الناتج عن الدخان الخانق المنقسم إلى ثلاث شعب ، شعبة منها فوق الرأس والأخرى عن اليمين والثالثة عن الشمال ، وهو باختصار ظل قاتل يحيط بهم من كل صوب ، ظل لا كظلال الأشجار الهادئة في الجنّة ، أو ظلال السقوف والقصور ، بل إنّه ظل حارق لشدّة حرارته.
ثانياً : إنّ لهذا الظل ثلاث شُعَب مليئة بالشرر المتطاير وكل شرارة فيه عظيمة بحجم القصر ، أو كالجمال الصفراء المسرعة نحو كل صوب ، يا له من مكان ، إن كان ظلّه هكذا فكيف بناره؟!
ويالها من عبارات مرعبة ودقيقة ، فالناس يهربون عادة من الحرارة إلى الظل ، بينما لا ظل هناك سوى ظل الدخان الذي تنبعث منه النيران ، وإذا كان تصّور مثل هذا الدخان صعباً في أيّام نزول هذه الآيات ، فساحات الحروب الإجرامية اليوم وما يُلقى فيها من قنابل تُغطّي كل شيء بالدخان والنّار فيها قد تكون صورة مصغّرة لذلك العذاب الأكبر ، إضافة إلى وجود شرر كبير الحجم وشواظ من نار تتطاير في مساحات واسعة ، وهذا كله في ظلال تلك النّار (١).
وقد تكون كلمة «القصر» إشارة إلى قصور الظالمين ، ولعل تشبيه شرر جهنّم بها ، أي بتلك القصور التي تؤجج النيران دوماً في قلوب المحرومين ، يعكس معنىً عميقاً ودقيقاً ، وكذلك التشبيه بالجمال الصفر ذات النمط الواحد فهو رمز لثروة المستكبرين ، وهو أيضاً تعبير آخر ذو مغزىً عميق في هذا السياق.
وقد يتوهّم البعض أن تشبيه الشرر بالقصر حيناً وبالجمال الصفر حيناً آخر يبدو غير
__________________
(١). يعتقد البعض أنّ الضمير في «إنّها» يعود إلى «النّار» وهو مؤنث مجازي ، ورغم عدم ذكر النّار في الآية إلّاأنّه يمكن الاستدلال عليها بقرينة ظل الدخان ، ولكن الأفضل هو ارجاع الضمير إلى الظل ذي الثلاث شعب وهو الظل الخانق لأنّ الهدف هو الاطلاع على الآثار القاتلة لهذا الظل حتّى يتّضح موضوع النّار بطريق أوْلى.