وفي المجموعة السابعة والأخيرة من هذه الآيات ورد ذكر شراب أصحاب النّار بتعابير اخرى ، كما في الآية الشريفة : (وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ* مِّنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسقَى مِنْ مَّاءٍ صَدِيدٍ* يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيْغُهُ وَيَأتِيهِ المَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِميِّتٍ وَمِن وَرَائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ).
كلمة «الصديد» أصلها (الصد) وتعني الاعراض والعدول والانحراف عن الشيء ، ثم أُطلقت على الخراج والصديد الذي يتجمع بين الجلد واللحم أثناء حصول أي جرح وربّما سبب ذلك هو انحراف المزاج وتغيّره من السلامة إلى المرض.
يقول الراغب في المفردات : وضرب مثلاً لطعام أهل النّار (بأنّه طعام رديء وكريه الرائحة والطعم).
والدليل على كونه فاسداً ورديئاً هو أنّهم لا يشربونه عن رغبة أبداً بل كرهاً واجباراً ويتحملونه جرعة فجرعة ، وهم في موقف مرير ومؤلم وكأنّ الموت يتهددهم من كل صوب إِلّا أنّهم خلقوا بالشكل الذي لا يموتون فيه حتى مع نيل جزائهم.
ومّما يسترعي النظر هنا هو أنّ هذا العذاب الأليم المذكور في هذه الآية والآيات الاخرى يختص بالظالمين والجبابرة والطغاة (حيث وردت أحياناً كلمة «طاغين» وأحياناً كلمة «جبار» وكلمة «الظالمين» في أحيان أُخرى وهذه هي عاقبة الظلم والجور وما هي إلّا تجسيداً لما صدر عنهم من عذاب بحق الأبرياء الذين كانوا كثيراً ما يقضون السنوات الطويلة في سجونهم لا يذوقون إلّاأردأ أنواع الطعام والشراب ، ويتعرّضون لأشدّ العذاب حتى أنّ مظاهرهم تتغيّر ولا يعود أحد يميزهم حتّى امّهاتهم (كما هو الحال في وقائع سجناء الحجّاج الرهيبة. وفي عصرنا الحالي رأينا أو سمعنا بنماذج منها بحق المسجونين في سجون الطغاة).
فهل أنّ أمثال هؤلاء لا يستحقّون مثل ذلك العذاب؟
يتّضح من مجموع ما ورد في هذه الآيات أنّ إحدى أسوأ العقوبات التي يواجهها أهل النّار هي الطعام والشراب أي الأشياء التي ينبغي أن يلتذ بها الإنسان فتصبح وبالاً عليه