وأهلها سود (١). وقال آخرون : «إنّه ضرب من القَطِران ، وقيل : هو السمّ» (٢).
إنّ هذه المعاني وإن كانت متفاوتة ، إلّاأنَّ نتيجتها واحدة وهي الألم والعذاب الأليم لأصحاب النّار.
* * *
وفي القسم السادس من الآيات يلاحظ تعبيران آخران بخصوص أشربة أصحاب النّار ، وهما «الحميم» و «الغساق» وقد جاء أحدها إلى جانب الآخر ، فتقول الآية : (لَّايَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلَا شَرَاباً* إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً). (النَّبأ / ٢٤ ـ ٢٥)
وقد فسّر أكثر المفسرين كلمة «الحميم» بمعنى الماء الحار الحارق ، والكلمة مشتقّة من «حَمَّ» وتعني الحرارة ، و «الغساق» مأخوذ من المصدر «غَسَق» وتأتي هذه الكلمة أحياناً بمعنى الظلام وأحياناً بمعنى الجريان والانسياب ، وهو هنا الصديد الذي تنضح به أجسام أصحاب جهنّم.
وممّا لا يخفى أنّ الشخص الذي يكون إلى جانب النّار أو في داخلها يصيبه العطش الشديد ، وحتّى في أجواء الصيف الحارّة يغلب مثل هذا العطش ولا يروى إلّابتناول مقدار من الشراب البارد ، أمّا أصحاب النّار فلا شراب بارد لديهم ، بل إنّ شرابهم حار كحرارة النّار فيزيد من عطشهم.
ولكن هل يعني هذا الكلام أنّهم عند مشاهدتهم لهذا الشراب ينصرفون عن تناوله ويبقون يتحرّقون في نار العطش؟ أم أنّهم يشربونه بالاجبار ، فيتزايد عطشهم شيئاً فشيئاً؟ إنّ التعبير عن تلك الحالة بكلمة «الذوق» يجعل الموقف مناسب للتفسير الثاني.
رغم أنّ البعض يميل إلى تفسير كل هذه العبارات والتهديدات بخصوص أصحاب النّار تفسيراً معنوياً وروحياً ، كنتيجة للابتعاد عن الله والاقتراب من أُفق الشياطين ، ولكن كما قُلنا مراراً لا يحق لنا حمل الألفاظ على خلاف ظاهرها بلا قرينة واضحة.
__________________
(١). تفسير مجمع البيان ، ج ٥ ، ص ٤٦٦ ؛ وتفسير القرطبي ، ج ٦ ، ص ٤٠١١.
(٢). تفسير القرطبي ، ج ٦ ، ص ٤٠١١.