فقيل في جواب ذلك : إنّ هذه الحالة حالة لا إراديّة ، وبهذه الوسيلة يدعوهم الله تعالى إلى محكمة عدله.
والآية الرابعة ناظرة إلى النفخة الاولى وهي نفحة إماتة جميع المخلوقات وفناء العالم بأسره : (فَإِذَا نُفِخَ فِى الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ* وحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً* فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الوَاقِعَةُ).
إنّ تعبير (واحدة) الذي تكرر مرّتين في هذه الآية يدل على أنّ هذه الحوادث تتحقق بصورة مباغتة على شكل ضربة مميتة ، ومن جهة اخرى فإنّ هذه الآيات تبين القدرة اللامتناهية لله سبحانه وتعالى حيث تفنى جميع المخلوقات بنفخة صور واحدة ، بالضبط مثل نفخة البوق التي تحرك جيشاً عظيماً أو توقفه في مكانه.
بلا شك أنّ الآيات السابقة أشارت إلى النفخة الاولى ، أمّا الآيات اللاحقة فقد ورد فيها إضافة إلى ذلك كلام عن حوادث المحشر وصحيفة الأعمال وأوصاف الجنّة ، وبحكم كون الحوادث المذكورة تقع في نهاية العالم وبداية القيامة ولا توجد فاصلة كبيرة بينهما ، لهذا السبب نرى في كثير من الآيات القرآنية أنّ حوادث نهاية العالم وقيام القيامة جاءت مرادفة لبعضها البعض.
ويرى بعض المفسرين الكبار ، ومنهم صاحب الميزان أنّها النفخة الثانية ، قال : «والذي يسبق إلى الفهم من سياق الآيات أنّها النفخة الثانية التي تحيي الموتى» (١) ونحن نستبعد أن تكون هذه الآية قد أشارت إلى النفخة الثانية ، حيث إنّها لا تتوافق مع سياق الآية التي تليها والتي تخبر عن دك الأرض والجبال ، ولعل الآيات التي وردت (بفاصلة) عن هذه الآية هي التي ساقته إلى هذا المعنى ، في حين أنّ التأمل في الآيات المختلفة التي تتحدث عن القيامة يدلل على أنّ هذه الآيات تذكر أحياناً حوادث هاتين النفختين معاً وتميز بينهما بالقرائن.
أمّا الآية الخامسة فقد أشارت بوضوح إلى (النفخة الثانية) وذلك لأنّها تخبر عن عدم
__________________
(١). تفسير الميزان ، ج ١٩ ، ص ٣٩٧.