ونرى في الآية الخامسة مشهداً آخر يصور اللوم والتعنيف والاحتقار لأصحاب النّار من قبل خزنتها وملائكة العذاب ، فتقول : (وَقَالَ الَّذِينَ فِى النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوماً مِّنَ العَذَابِ* قَالُوا اوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الكَافِريِنَ الَّا فِى ضَلالٍ).
فهذه التعابير تبدو وكأنّها سياط تلهب أرواحهم وتعذّبهم ، فطلبوا يوماً واحداً للراحة من ذلك العذاب إلّاأنّ طلبهم رُفض ، فطلبوا من خزنة النّار أن يدعوا لهم ، لكن هؤلاء قالوا لهم : أنتم ادعوا بأنفسكم ، إلّاأنّ هذا الكلامُ يعتبر إهانة لهم بسبب عدم أهليّتهم للدعاء أو أنّ دعاءهم يجب أن يكون مسبوقاً بإذن من الله ـ وهو جلّت قدرته ـ لا يسمح لهم ولا يأذن بمثل هذا الدعاء ، أو أنّه دعاء غيرُ مستجاب فهو إذن عبث لا أكثر ، ولذا فهم ينزعجون حتّى من الدعاء لهم ويقولون أنتم ادعوا ربّكم (واعلموا أنّه غير مستجاب لكم) وهذا أيضاً تعبير مؤلم آخر.
* * *
وتعكس الآية السادسة جانباً آخر من العذاب الروحي لأصحاب النّار فتقول : (اذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً).
تُصور هذه الآية هنا جهنّم وكأنّها تمتلك جميع صفات الحيوان المفترس فحين رؤيته لفريسته تنطلق منه أصوات مرعبة تنمُ عن الغضب مصحوبة بالتنفّس الشديد ، وهذا العمل كفيل بإدخال الرعب في قلبه ومن ثم القضاء عليه.
و «التغيظ» : مأخوذ من المصدر (غيظ) ، وهو كما قال الراغب : يعني شدّة الغضب ، والتغيّظ بمعنى اظهاره ، ومع أنّ حالة الغضب لا تسمع ولكن ترافقها أصوات دالة عليها قابلة للاستماع كالأصوات المرعبة.
وتعني كلمة «الزفير» صعود ونزول النفس في الرئة بحيث يرتفع الصدر إلى الأعلى وغالباً ما يصحبه صوت رهيب يمكن سماعه.