أمّا المفسرون الذين لا يمكنهم التصديق بأنّ جهنّم موجود حي يرى ويدرك ويعرف المجرمين ، فقد اضطروا إلى القول : إنّ هناك شيئاً مقدراً ، فقالوا : المقصود هو رؤية خزنة النّار بينما نعلم أنّ التقدير خلاف القاعدة ولا حاجة له هنا ، فما المانع أن يكون لجهنّم والجنّة روح وأنّهما تدركان الحوادث التي تقع فيهما؟ حتّى أنّ بعض الروايات ذكرت «يخرج عنق من النّار له عينان تبصران ولسان ينطق فيقول وكّلت بكل من جعل مع الله إلها آخر فهو أبصر بهم من الطير بحب السمسم فيلتقطه» (١).
ونحن نرى أمثلة مصغرة لهذه المسألة في الدنيا منها مايتمثّل في وضع العيون والآذان الالكترونية المرتبطة بأجهزة (الكامبيوتر) في البنايات المختلفة ، فتقوم تلك الأجهزة بمشاهدة وسماع الكثير من الأشياء والحوادث وتبدي ازاءها رد الفعل المناسب رغم أنّ البناية لا تدرك شيئاً ، ولعل رد فعل جهنّم ازاء المجرمين هو من هذا الطراز أو من طراز أرفع ، أي يكون مصحوباً بالإدراك.
* * *
ونرى في الآية السابعة صورة اخرى من الآلام النفسية لأصحاب جهنّم فهي تخاطب المؤمنين بقولها : (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا انفُسَكُم وَاهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ).
يتبيّن من هذا التعبير أنّ نار الآخرة تختلف كثيراً عن نار الدينا ، سواء كان المقصود من «الحجارة» الأصنام الحجرية أو ماهو أشمل من ذلك ، وسواءً كان المقصود هو النّار التي تخرج من داخل ذرّات تلك الأحجار أم كان المقصود شيئاً آخر ، فكل ماهو موجود نار ينبثق بعضها من داخل ذات الإنسان ؛ من معتقداته ونواياه الباطنية القبيحة وجوارحه الملوّثة بالذنوب ، أو الأحجار التي كانت آلهة له أو من وسائل المفاخرة والتباهي كالقصور وما شابه ذلك.
__________________
(١). تفسير القرطبي ؛ وتفسير روح المعاني ، في ذيل الآية مورد البحث.