(والظاهر أنّ المرحوم الطبرسي لم ينقلها لاقتناعه بها ، ولكن من باب ذكر جميع الآراء) ونكتفي بذكر مايستحق الاهتمام منها فقط وهو :
أوّلاً : إنّ الهدف من ذكر هذا الاستثناء هو تبيان حاكمية الله وقدرته المطلقة ومشيئته الكاملة ، فلا تظنوا أنّ هذا الخلود يتحقق بدون إرادته ، وإن شاء فهو على كل شيء قدير ولكن إرادته قضت بتخليد هذه الطائفة من أهل جهنّم فيها.
ولهذا ورد نفس هذا التعبير بشأن أهل الجنّة في الآيات السابقة لها ، فتقول الآية في نفس الوقت : (عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ). (هود / ١٠٨)
وتُظهر هذه الجملة بوضوح أنّ المقصود من الاستثناء من الأشياء ليس هو قطع العذاب أو النعمة بل لمجرّد تبيان قدرة الله.
وثانياً : إنّ المقصودين بالاستثناء هم الذين لا يستحقّون الخلود في العذاب كالمؤمنين المذنبين الذين يبقون في النّار لمدّة من الزمن ، فيتطهرون من ذنوبهم ، ومن ثم يذهبون إلى الجنّة ، وجملة «إلّا ماشاء الله» هنا تختص بهذه الطائفة ، أمّا الكفرة فسيبقون في العذاب (وهم كما يُقال جزء من المستثنى منه لا المستثنى).
ونفس هذا الاعتبار يُطرح أيضاً بشأن أصحاب الجنّة ، فهم أيضاً خالدون فيها إلّا المؤمنين المذنبين منهم والذين كانوا سابقاً في جهنّم ثم جاؤا إلى الجنّة.
وعلى كل حال فهذا الاستثناء لا يخلق أيّة مشكلة في دلالة الآية على أبدية العذاب.
* * *
تصّرح الآية الرابعة بمسألة الخلود وعدم تخفيف العذاب للمجرمين وتؤكد أيضاً أنّ الله سبحانه وتعالى لم يظلمهم بل هم الذين ظلموا أنفسهم : (وَنَادُوا يَامَالِكُ لِيَقضِ عَلَينَا رَبُّكَ قَالَ انَّكُم مَّاكِثُونَ).
كلمة المكث جاءت هنا بشكل مطلق وغير محدود وهذه دلالة اخرى على خلود عذابهم (١).
__________________
(١). «المكث» يعني البقاء المصحوب بالانتظار «كما قال الراغب في مفرداته» ، وكلمة المكث تطلق أيضاً على التوقف المؤقت ، إلّاأنّها عندما تذكر مطلقة وبلا قيد أو شرط ، فهي تعني التوقف الدائمي.