تلك الأدلّة شيوعاً هي ما ورد في من سورة الجن والتي مَرّ علينا تفسيرها مسبقاً وهي : (وَمن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فِانَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً). (الجن / ٢٣)
ولكن هناك قرائن كثيرة في هذه الآيات وفي غيرها تدل على أنّها (هذه الآيات) تختص بأولئك الذين تنتهي بهم ذنوبهم إلى الكفر وانكار المعاد أو النبوّة أو ضرورة من ضرورات الدين ، ومن جملة تلك القرائن الآية : (كَأَنَّمَا اغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ الَّيْلِ مُظلِماً). (يونس / ٢٧)
وبالنظر إلى أنّ هذا الوصف قد ورد في القرآن هنا بحق الكفّار ، حيث يقول تعالى : (وَوُجُوهُ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ* تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ* اولَئِكَ هُمُ الكَفَرَةُ الفَجَرَةُ). (عبس / ٤٠ ـ ٤٢) فهذا دليل على أنّ المقصود في الآية موضع بحثنا هم الكفّار أيضاً.
ولهذا جاء في الرواية عن الإمام الباقر عليهالسلام أنّه قال : «هؤلاء أهل البدع والشبهات والشهوات يسوِّد الله وجوههم ثم يلقونه ، يقول الله : (كَأَنَّمَا اغشِيَت وُجُوهُهُم قِطَعاً مِّنَ الَّيْلِ مُظلِماً) ، يسود الله وجوههم يوم القيامة ويلبسهم الذل والصغار ، يقول الله سبحانه وتعالى : (اولَئِكَ اصحَابُ النَّارِ هُم فِيهَا خَالِدُونَ) (١).
والقرينة الأخرى هي عبارة (أحَاطَتْ بِهِ خَطِيئتُهُ) الواردة في الآية ٨١ من سورة البقرة والتي تشير إلى أنّ ارتكاب الذنب الكبير وحده لايؤدّي إلى الخلود في النّار ، بل إنّ إحاطة الذنب بكل وجود الإنسان هي السبب في طرح مثل هذا الموضوع لأنّها تسوقه نحو الكفر ، والسبب في ذلك ـ كما تفيد الروايات ـ أنّ الإيمان يظهر في القلب على هيئة نقطة مضيئة ، وكلما ازدادت أعمال الخير التي يؤدّيها كلما اتسعت تلك النقطة حتّى تحيط بقلبه كله ، وكلما ارتكب ذنوباً ومعاصيَ كلّما خيم الظلام على قلبه حتى يحيط بقلبه كله ويجعله قلباً أسوداً (ينطفيء فيه نور الإيمان) لاسيما وأنّ بعض الروايات تستدل بقوله تعالى : (كَلَّا بَل رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكسِبُونَ) (٢). (المطففين / ١٤)
__________________
(١). تفسير علي بن إبراهيم ، ج ١ ، ص ٣١١.
(٢). اصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٢٧٣ ، باب الذنوب ، ح ٢٠.