وبعض تلك الآيات تؤكّد تعمّد الذنب (كآية القتل) ، ولعل المراد منها هو مخالفة امر الله ومخالفة الحق ، وهذا من أوضح مصاديق الكفر.
والاشتشهاد الآخر هو الوارد في قوله تعالى : (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُا السُّوأَى انْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهزِئُونَ). (الروم / ١٠)
يُظهر هذا التعبير أنّ الاصرار على الذنب والاستمرار عليه يؤدّي بالنتيجة إلى الكفر وتكذيب آيات الله وهو مايؤدّي إلى الخلود في النّار.
إضافة إلى كل هذا ، فإنّ الآية : (انَّ اللهَ لَايَغْفِرُ انْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ) والتي تكررت مرّتين في سورة النساء ٤٨ و ١١٦ ، هي دليل آخر واضح على هذه الحقيقة وهي أنّ المشركين (الكفر بأنواعه أيضاً ملحق بالشرك) لايُغفر لهم ويخلدون في جهنّم ، وأنّ المجرمين الآخرين يمكن أن يُغفر لهم ، وهذا مايدل على أنّ حسابهم يختلف عن حساب الكفّار ولا يمكن أن يُعدّوا ضمن صنف واحد.
لا يتوهم أحد أنّ هذه الآية تعطي الضوء الأخضر للمجرمين ، لأنّه لم يصدر وعد قطعي بالعفو عنهم بل هو وعد احتمالي مرتبط بمشيئة الله ، ولما كانت مشيئة الله وإرادته مرتهنة بحكمته ، وحكمته تقتضي أن تكون هذه المقوّمات كلها معايير للعفو ، اذن ، فالحال يوجب على المجرمين عدم قطع علاقاتهم بالله وأوليائه والإبقاء على جسور العودة قائمة.
ورد في الروايات أنّ هذه الآية هي أكثر الآيات التي تبعث الأمل والرجاء في النفوس ، كما جاء عن أميرالمؤمنين علي عليهالسلام أنّه قال : «ما في القرآن آية أرجى عندي من هذه الآية» (١).
ولطرح مزيد من التوضيح ، ينبغي الالتفات إلى أنّ الآية المذكورة لا تشمل مرتكب الصغائر طبعاً لأنّ القرآن قد وعد بغفران الذنوب الصغيرة لمن يتورّع عن اجتناب الكبائر منها ، وهي أيضاً لا تشمل الذنوب الكبيرة بعد التوبة لأنّ التوبة سببٌ لغفران جميع الذنوب حتى الشرك ، وعلى هذا فالمفهوم الوحيد المتبقي لهذه الآية هو أنّها ميّزت بين الشرك
__________________
(١). لمزيد من الايضاح راجع التفسير الأمثل ، ذيل الآية ٤٨ من سورة النساء.