وتوضيح ذلك : إنّ المقنن : قد يسُن أحياناً قانوناً يقول فيه إنّ من يرتكب المخالفة الفلانية فعليه أن يدفع مقداراً من المال كغرامة مالية أو يُسجن مدّة من الزمن ، فمن البديهي في مثل هذا الموقف أن يكون هناك تناسب بين «الجريمة» و «العقاب» ، فلا يمكن أن تُقَرّر مثلاً عقوبة الاعدام أو السجن المؤبد للمخالفة البسيطة ، وبعكس ذلك فمن غير المعقول تحديد عقوبة القتل بسجن يوم واحد ، فالحكمة والعدالة تستوجب التناسب الكامل بين تلك الحالات.
لكن العقوبات التي هي في الحقيقة الآثار الطبيعية للعمل وتعتبر من خاصّيته التكوينية أو نتيجة حضور ذات العمل أمام الإنسان ، لا تقر مثل هذه الأقوال سواءً بشأن آثار العمل في هذا العالم أم في العالم الآخر.
فلو قيل مثلاً ، إنّ من يخالف تعليمات المرور ويقود سيارته بسرعة عالية ويتسابق بلا مبرر ويجتاز المناطق الممنوعة قد يتعرض ـ وبسبب عدّة لحظات من المخالفة ـ إلى اصطدام عنيف يؤدّي إلى كسر يديه ورجليه ويبقى مقعداً طوال عمره ، فهنا لا يستطيع أحد أن يقول إنّ هذه النتيجة المريرة غير عادلة ازاء هذه المخالفة البسيطة لأنّ من المسلّم به أنّ أمثال هذه العقوبات ليست من وضع إدارة المرور حتّى يؤخذ بنظر الاعتبار التناسب بين المخالفة والعقوبة ، بل هو الأثر الطبيعي للعمل الذي فعله الإنسان بإرادته وأوقع نفسه فيه.
وكذلك الحال ، إذا قيل بضرورة اجتناب المشروبات الكحولية أو المخدرات لأنّها تتلف القلب والمعدة والمخ والاعصاب خلال فترة وجيزة ، ولكن لو تعمد أحد تناولها واصيب بضعف الأعصاب الشديد وبأمراض القلب والشرايين والقرحة كل ذلك في مقابل الفسق والمجون لأيّام معدودة ، أو يبقى إلى آخر عمره يعاني من شدّة الألم والعجز والضعف ، ففي مثل هذا الحال لا يمكن لأحد أن يتحدث عن عدم التناسب بين الذنب وآثاره وجزائه.
ولو افترضنا أنَّ هذا الشخص قد عَمّر في هذه الدنيا بدل المائة عام ألف عام أو مليون عام ، فينبغي عليه تحمل العذاب والألم طوال هذه المدّة المديدة ازاء عدّة أيّام قضاها في اللهو والمجون.