٢ ـ إنّ الشفاعة التي ذكرها القرآن وذبَّ عنها ، شفاعة يرتبط خطّها الأصيل بـ «إذن الله» وما لم يأذن بالشفاعة فلا يحق لشفيع أن يشفع ، وبتعبير آخر فإنّ هذه الشفاعة صادرة من الأعلى ومشروطة بإذن الله ، وهي ليست كشفاعة حاشية السلاطين الجائرين ، فهي صادرة من الأسفل وقائمة على أساس العلاقات الشخصية.
إنّ شفاعةً كهذه تُعّد تأكيداً لمسألة التوحيد لأنّ خطّها الاصلي يصدر عن الله تعالى وهذا هو التوحيد البعيد عن أي لون من ألوان الشرك ، لكن الوهابيين الذين تشابهت عليهم الشفاعة القرآنية مع الشفاعة الشيطانية لحواشي السلاطين انكروا هذا المبدأ واعتبروه مضادّاً لأصل التوحيد ، وفي الحقيقة أنّهم قد اعترضوا على أوهامهم في هذا الطرح ، لا على مبدأ الشفاعة القرآنية.
٣ ـ الشفاعة في حقيقتها سبب للنجاة : كما هو الاعتقاد بوجود الأسباب في عالم الخلقة والتكوين (كتأثير أشعة الشمس وتساقط المطر في نمو الأعشاب) لا يتنافى مطلقاً مع مبدأ التوحيد ، لأنّ تأثير هذه الأسباب يتحقق بإذن الله وأمره ، وفي الحقيقة أنّ عملها هو نوع من الشفاعة التكوينية ، كما أنّ وجود مثل هذه الأسباب في عالم الشريعة للمغفرة والنجاة بأنّ الله لا يتعارض مع التوحيد بل هو تأكيد له ، وهذا هو ما نطلق عليه اسم الشفاعة التشريعية.
٤ ـ إنّ الشفاعة التي يرفُضها القرآن في عبادة الأصنام هي أنّهم كانوا يجعلون كثيراً من الأشياء الخالية من أيّة ميزة أو خاصية شفيعة لهم إلى الله؟ ولذا صَرّح الآية التي يستندون عليها بالخصوص : (وَيَعبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَالَا يَضَرُّهُم وَلَايَنفَعُهُم وَيَقُولُونَ هؤُلَآءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ). (يونس / ١٨)
هذا من جهة ؛ ومن المؤكد أنّ هذا لا علاقة له بشفاعة الأنبياء والأولياء ، فهذا الكلام يخص الأصنام وهي الأحجار المجرّدة من أي عقل وأحاسيس.
ومن جهة اخرى ، فالقرآن يذم الشفاعة القائمة على أساس الاعتقاد باستقلال الشفيع ، وتأثيره في مصير الناس بلا اذن من الله ، ولذا جاءت في سورة الزمر آية وهي من الآيات التي يستندون إليها : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَولِيَاءَ مَانَعْبُدهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا الَى اللهِ زُلْفَى