و «الطائر» : في الأساس ، هو الطير ويراد به العمل أو كتاب الأعمال حسب قول الكثير من المفسرين ، ويعود هذا الربط إلى العادات والتقاليد العربية حيث كانوا يتفاءلون للخير والشر بواسطة الطيور ، فبعض الطيور يبشر بالسعادة واليمن والبركة ، فاذا عرض لهم هذا الطير أثناء خروجهم من منزلهم أو من مدينتهم استبشروا ورأوا ذلك دليلاً على الانتصار والنجاح ، وعلى عكس بعض الطيور التي يعتقدون بأنّها نذير شؤم ، فالطائر يستخدم للتفاؤل والتشاؤم معاً ، لذا فقد قال بعض المفسرين إنّ ما يقابل كلمة طائر في اللغة الفارسية هو (البخت) ومن هنا يعتبر القرآن الكريم أنّ العامل الرئيس للسعادة والشقاء هو أعمال الإنسان ، وقد استعملت هذه الكلمة للتعبير عن كتاب هذه الأعمال ، وبهذا المعنى فقد صنع القرآن الكريم من مفهوم خرافي لا أساس له حقيقة واقعية ودعا الناس إليها ، مع الأخذ بنظر الاعتبار جملة : (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً) حيث يمكن القول أنّ تفسير الطائر بالعمل أنسب من تفسيره بكتاب الأعمال وذلك لأنّه ذكر كتاب الأعمال بشكل مستقل فلكون الأعمال متعلقة بعنق الإنسان فهي لا تنفك عنه أبداً ، فإن كان العمل صالحاً فيسعد ويأنس به صاحبهُ وإن كان سيئاً فيؤذي صاحبه كالغل أو السلسلة.
وهناك مسألتان اخريان في هذه الآية :
الاولى : عرض كتاب الأعمال يوم القيامة واطلاع الآخرين عليه ، فيكون عاملاً في فضيحة صاحبه لدى جميع الخلائق.
الثانية : إنّ كتابة صحيفة الأعمال واضحة بحيث لا حاجة إلى الحسيب بل يكفي أن يطلع الإنسان على أعماله ويحاسب نفسَهُ بنفسهِ.
فكما يدلّل اصفرار اللون والكآبة على وجود حالة مرضية كذلك تدلّل الطراوة وامتلاء الوجنات والنشاط على الصحة والسلامة ، وبهذا يستطيع المريض أن يحكم على نفسه بالمرض أو السلامة ولا حاجة لشهادة الآخرين.
* * *