«إنّ الكتاب يتضمن نفس الأعمال بحقائقها دون الرسوم المخطوطة على حدّ الكتب المعمول بها فيما بيننا في الدنيا فهي نفس الأعمال يطلع الله الإنسان عليها عياناً ولا حجّة كالعيان ، إنّ كتاب الأعمال بحقائقها مستور عن إدراك الإنسان محجوب وراء حجب الغفلة وإنّما يخرجه الله سبحانه وتعالى يوم القيامة فيطلعه على تفاصيله» (١).
كذلك لا ينسجم هذا المعنى بما يتعلق ب (الملائكة الكاتبين) وسائر الصفات الأخرى التي وردت في الآيات والروايات وذلك لأنّ المراد من حقائق الأعمال على الظاهر هو نفس الآثار التي تترك أثراً في داخل نفس الإنسان ، وهنا يرد نفس الإشكال على تفسير المرحوم الفيض الكاشاني.
ولقد ذكر صاحب كتاب (روح المعاني) نفس هذا التفسير بشيء من التفصيل ثم اعترف بأنّ هذا التفسير لا ينسجم مع ظاهر آيات القرآن الكريم (٢) ، ومن الممكن أن يقال : كما تترك أعمال الإنسان أثراً في داخل نفسه كذلك تترك أثراً في العالم الخارجي أيضاً ، وتترك أثراً في الفضاء والهواء وعلى الأرض التي يعيش عليها وفي كل شيء ، وكأنّ أعماله نقشت بها نقشاً طبيعياً غير قابل للانكار.
وهذه النقوش تنقش في أعماق هذه الموجودات بواسطة قوى عالم الوجود والملائكة ، ويوم القيامة يكشف عنها الحجب وتظهر للعيان وتعطى بيد كل إنسان وتكفي نظرة واحدة عليها للاطلاع على حال كل شخص.
ومن البديهي أنّ هذه الآثار لا يمكن إدراكها والاحساس بها في هذه الدنيا رغم أنّها موجودة ومثبتة ، وعندما يأتي ذلك اليوم الذي يكشف فيه هذا الغطاء ويصبح البصر حديداً فسوف نراها عياناً ونقرأُها فنصدق.
وقد استطاع علماء اليوم من خلال دراسة علم الآثار ودراسة المتحجرات المتبقية من
__________________
(١). تفسير الميزان ، ج ١٣ ، ص ٥٨. ذيل الآية ١٣ الاسراء.
(٢). تفسير روح المعاني ، ج ١٥ ، ص ٣٢.