ونواجه في الآية الخامسة تعبيراً جديداً أيضاً ، فبعد أن ذمّت الآية البخلاء وأخبرت بأنّ البخل ليس خيراً لهم وإنّما هو ضرر عليهم : (سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).
يستفاد من هذا التعبير أنّ الأموال التي لم تدفع الحقوق المفروضة عليها ولم ينتفع بها أحد ستكون على شكل طوق تطوّق به رقاب البخلاء يوم القيامة ، فكما كان وزرها على عواتق أصحابها دون الانتفاع بها فكذلك الأمر في يوم القيامة.
ولقد ورد في تفسير العياشي نقلاً عن الإمام الباقر عليهالسلام في توضيح معنى هذه الآية قال : «مامن عبد منع زكاة ماله إلّاجعل الله ذلك يوم القيامة ثعباناً من نار مطوّقاً في عنقه» (١).
ولكن ما المقصود بالبخل في الآية الكريمة : ممّا آتاهم الله من فضله؟
يعتقد بعض المفسِّرين أنّ الآية ناظرة إلى البخل في العلم والمعرفة وحسب ما جاء في سبب نزولها حيث نقل عن ابن عباس أنّ الآية نزلت في كتمان اليهود لعلامات الرسولصلىاللهعليهوآله (٢).
في حين نجد أنّ هناك روايات عديدة ذكرت أنّ الآية تتعلق بمانعي الزكاة ولا يستبعد أن يكون للآية مفهومٌ واسعٌ بحيث تشمل كل الهبات الإلهيّة التي ذكرناها والتي لم نذكرها.
ويلاحظ أنّ جمعاً من المفسرين لم يأخذوا بظاهر الآية وفسّروها بجزاء الأعمال ، وقال البعض منهم : إنّ المراد بالآية الكريمة البخلاء فهم مكلّفون يوم القيامة بالإتيان بمثل هذه الأموال ولكنّهم لن يتمكنوا من ذلك (أي إنّ الذي سيطوقون به هو التكليف وليس نفس الأموال).
ولكنّ هذا النوع من التفاسير إضافة إلى كونه يفتقر إلى الدليل كذلك فهو مخالف لظاهر الآية ولا يتوافق مع الروايات الكثيرة المنقولة عن أئمّة الهدى عليهمالسلام في تفسير هذه الآية.
وتتحدث الآية السادسة عن موضوع جديد وهو (حضور واحضار العمل) قال تعالى :
__________________
(١). تفسير العياشي ، ج ١ ، ص ٢٠٧ ، ح ١٥٨.
(٢). لقد وردت رواية ابن عباس في كثير من التفاسير من جملتها تفسير القرطبي ؛ تفسير روح المعاني ؛ تفسير المنار ، ذيل الآية مورد البحث.