فالحديث في الآية السابقة يدور حول حضور الأعمال ، وتتحدث هذه الآية عن احضار الأعمال ، أي إنّها تتناول موضوعاً أوسع ، ووِفقها فإنّ الله تعالى وبقدرته المطلقة يحضر جميع الأعمال الصالحة والسيئة شاء صاحبها أم أبى ، ولذا قال بعض المفسّرين : إنّ هذا التعبير هو أكثر اخافة وفزعاً من تعبير الآية السابقة.
* * *
ونواجه في الآية الرابعة تعبيراً جديداً أيضاً حول هذا الموضوع ، قال تعالى : (وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَاكَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَّاكَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ).
«بدا» : مشتقّة من مادة (بدو) بمعنى الظهور التام ، ولهذا قالوا للبراري (البادية) لظهورها بعكس المدن التي كانت تحاط بالأسوار والحصون فتختفي وراءها.
«سيئات ما كسبوا» : تعني أعمال السوء ، وقد فسّرها البعض بمعنى جزاء هذه الأعمال ، أو أنّهم قدروا كلمة جزاء ، ولكن ظاهر الآية يفيد أنّ أعمالهم السيئة تظهر واضحة جلية في ذلك اليوم ، وذلك لأنّ السيئات ـ جمع سيئة ـ تعنى العمل السيء وليس سوء العمل (تأمل جيداً).
ومن الممكن أن يكون هذا التعبير إشارة إلى أنّ الكثير من الأعمال السيئة في هذا العالم تخفي صورتها الحقيقية مثل الرياء الذي يراد به غير الله تعالى ، ولكن في ذلك اليوم وهو يوم الكشف عن السرائر ويوم الظهور يكشف عن الوجه الحقيقي لجميع الأعمال ، كما نقرأ في الحديث الوارد عن الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله في تفسير هذه الآية : «هي الأعمال حسبوها حسنات فوجدوها في كفة السيئات».
وهذا الحديث بدوره شاهد آخر على نظرية تجسّم الأعمال (١).
* * *
__________________
(١). تفسير روح البيان ، ج ٨ ، ص ١٢١.