الأول : هو أن يجد كل إنسان ما عمل من أفعال الخير والشرّ محضرة يوم القيامة.
الثاني : هو أن يجد كل إنسان ماعمل من أعمال الخير محضرة ويود أن تكون هناك فاصلة زمانية بينه وبين أعماله السيئة ، ويرجع هذا الاختلاف في تفسير الآية إلى مكان الوقوف فيها ، فمنهم من قال : «إنّ الوقوف بعد (محضراً) ومنهم من قال : إنّ الوقوف بعد سوء» (١).
لكن النتيجة في كلا التفسيرين واحدة ، وذلك لأنّ المستفاد من المعنى الثاني أيضاً هو حضور أعماله السيئة لديه وإن كان يتمنى وجود فاصلة بينه وبينها.
وقد ورد احتمال آخر لبعض المفسرين فيرى أنّ المجرمين يودون لو أنّ بينهم وبين السوء الذي عملوه أمداً بعيداً أو أن بينه وبين هذا اليوم أمداً بعيداً (٢).
ومن المعلوم أنّ الإنسان يتمنى أن يكون بينه وبين الامور التي ينفر منها فاصلة مكانية بعيدة ، في حين أنّ المراد بـ (أمداً بعيداً) الذي ورد في الآية الكريمة يقصد بها الفاصلة الزمانية البعيدة.
ومن الممكن أن يكون سبب هذا التعبير هو أنّ احتمال الحضور والتلاقي يكون أكثر في الفواصل المكانية ، أمّا احتماله في الفواصل الزمانية فهو معدوم.
فمثلاً أنّ الشخص الذي يعيش خلال سنوات الحرب العالمية يشعر بنوع من القلق والاضطراب ، حتى وإن كان بعيداً عن ساحة العمليات العسكرية ، أمّا الذين تفصلهم فواصل زمنية (بعيدة) عن تلك الحرب فهم لايشعرون بأي قلق أو اضطراب بسببها.
ومن المعلوم أنّ (الأمد) يأتي دائماً للزمان ، ويقول الراغب في مفرداته : «إنّ معناه يقترب من معنى (أبد) مع فارق بسيط هو أنّ (أبد) زمان ليس له أي حد محدود ، أمّا (أمد) فهو زمان له حد مجهول».
__________________
(١). الحالة الاولى (الواو) وما عملت من سوء استئنافية ، أمّا الحالة الثانية فلكون الواو : عاطفة فجملة «تود» جملة حالية.
(٢). ورد هذا الاحتمال في تفسير روح البيان ، ج ٢ ، ص ٢١ ؛ وفي تفسير في ظلال القرآن ، ج ١ ، ص ٥٦٩.