فأما أبو سفيان فإمّا لم يشاوروه ، أو شاوروه فأبى عليهم ، وأما سائر القوم فقد أسرعوا لهم. وأما خزاعة فانهم كانوا في دعة وأمان من عدوّهم لما حجز الإسلام بينهم ، ولو كانوا يخافون هذا لكانوا على حذر وعدة فتواعدت قريش فيما بينهم سرّا لئلا تخبر خزاعة فتحذر ، فتواعدوا على ماء لخزاعة يسمّى الوتير ، فوافوا للميعاد ، وفيهم رجال من كبار قريش متنقّبين متنكّرين : صفوان بن أميّة ، ومكرز بن حفص ، وحويطب بن عبد العزّى ، وجلبوا معهم أرقّاءهم ، فبيّتوا خزاعة ليلا ، فقتلوا منهم رجلا يقال له منبّه ، ثم لم يزالوا يقاتلونهم حتى انتهوا بهم إلى علائم حدود الحرم (من قبل عرفات).
فلما انتهوا إلى الحرم قال بنو بكر لقائدهم نوفل الدّيلي : يا نوفل ، إلهك ، إلهك ، قد دخلنا الحرم! فقال نوفل : لا إله لي اليوم يا بني بكر! أصيبوا ثاركم! فلعمري انكم قد كنتم تسرقون الحاجّ في الحرم ، أفلا تدركون ثاركم فيه من عدوّكم؟! لا يؤخّر أحد منكم بعد اليوم من ثاره.
وانتهوا بهم في عماية الصبح إلى مكة ، فدخل الخزاعيون إلى دار الخزاعيّين في مكة : بديل بن ورقاء ورافع مولاهم (١). فانصرف عنهم القرشيون إلى منازلهم وقد قتلوا منهم ثلاثة وعشرين رجلا (٢).
ثم إنهم حضروا وحصروا خزاعة في دار رافع وبديل يريدون قتل من بقي منهم (٣) ثم مشى الحارث بن هشام وقد حبسوهم ثلاثة ايام لم يكلّموا فيهم (٤) وعبد الله ابن أبي ربيعة المخزوميّان إلى صفوان بن أميّة وعكرمة بن أبي جهل
__________________
(١) ابن اسحاق في السيرة ٤ : ٣١ ـ ٣٣ ومغازي الواقدي ٢ : ٧٨٣.
(٢) مغازي الواقدي ٢ : ٧٨٧.
(٣) مغازي الواقدي ٢ : ٧٨٤.
(٤) مغازي الواقدي ٢ : ٧٩٢.