وكفّوا : فان ظهرنا عليها فلكم تمر خيبر سنة (كما وعدهم اليهود). فقال عيينة : انا والله ما كنا لنسلم حلفاءنا لشيء ، وانا لنعلم مالك ولمن معك بما هاهنا طاقة ، هؤلاء قوم أهل حصون منيعة ، ورجال عددهم كثير ، وسلاح ، ان اقمت هلكت ومن معك ، وان أردت القتال عجّلوا عليك بالرجال والسلاح. ولا والله ، ما هؤلاء كقريش ، قوم ساروا إليك ، ان اصابوا غرة منك فذاك الذي أرادوا ، والا انصرفوا. وهؤلاء يماكرونك الحرب ويطاولونك حتى تملّهم! فقال سعد بن عبادة : اشهد ليحصرنّك في حصنك هذا حتى تطلب الذي كنا عرضنا عليك فلا نعطيك الا السيف ، وقد رأيت ـ يا عيينة ـ من قد حللنا بساحته من يهود يثرب كيف مزّقوا كل ممزّق!
ثم رجع سعد الى رسول الله فأخبره بما قال ، وقال : يا رسول الله ، ان الله منجز لك ما وعدك ، ومظهر دينه ، فلا تعط هذا الاعرابي تمرة واحدة ، يا رسول الله ، لئن أخذه السيف ليسلّمنهم وليهربنّ الى بلاده كما فعل ذلك في الخندق قبل اليوم.
ثم أمر رسول الله مناديه أن ينادي أصحابه : أن اصبحوا على راياتكم عند حصن ناعم الذي فيه غطفان. فنادى منادي رسول الله بذلك ، فرعبوا من ذلك يومهم وليلتهم.
فلما كان بعد هدأة (ثلث الليل) سمعوا صائحا يصيح (١) في تلك الليلة : يا معشر غطفان ؛ الحقوا حيّكم ، فقد خولفتم إليهم! فركبوا من ليلتهم وصاروا في الغد الى حيّهم فوجدوهم سالمين (٢). وسألوهم : هل راعكم شيء؟ قالوا : لا والله ... فقال عيينة لأصحابه! هذه من مكائد محمد وأصحابه ، خدعنا والله! ثم أقاموا في أهلهم أياما ، ثم دعا عيينة أصحابه للرجوع الى نصر يهود خيبر ، فجاءه الحارث بن
__________________
(١) مغازي الواقدي ٢ : ٦٥٠.
(٢) الخرائج والجرائح ١ : ١٦٤ ح ٢٥٣.