قصيرا أسمر يدعى النعمان بن الحارث من بني النجّار ، فلازمني يقول لي : يا عدوّ الله ، أنت الذي كنت تؤذي رسول الله وتؤذي أصحابه ، قد بلغت مشارق الأرض ومغاربها في عداوته! ورفع صوته علي حتى اجتمع عليّ الناس وهم يفرحون بذلك (١).
وفي الجحفة ـ بعد الأبواء وقبل قديد ـ روى ابن هشام عن ابن شهاب : أن العباس بن عبد المطلب كان قد خرج من مكة مهاجرا بأهله ، فلقي رسول الله بالجحفة وكان قبل ذلك مقيما بمكة على سقايته وتجارته بإذن رسول الله (٢).
وفي الجحفة قال أبو سفيان : دخلت على عمّي العباس فقلت : يا عمّ كفّ عني هذا الرجل الذي يشتمني! قال : صفه لي. فقلت : قصير أسمر بين عينيه شجة ، فعرفه فأرسل إليه يقول : يا نعمان ، إن أبا سفيان ابن عمّ رسول الله وابن أخي ، وإن يكن رسول الله ساخطا فسيرضى ، فكفّ عنه. فكفّ عنّي ، ولكنه لم يتركني. فقلت للعباس : قد كنت أرجو أن سيفرح رسول الله بإسلامي لقرابتي وشرفي (!) وقد كان منه ما رأيت ، فكلّمه ليرضى عنّي. فقال : لا والله .. إنّي اجلّ رسول الله وأهابه ، فلا اكلّمه فيك كلمة أبدا بعد الذي رأيت منه ، إلّا أن أرى وجها. فقلت : يا عمّ إلى من تكلني؟ فقال : هو ذاك.
فلقيت عليا عليهالسلام فكلّمته ، فقال لي مثل ذلك. فخرجت ، ومعي ابني جعفر ، فجلست على باب منزل رسول الله ، حتى خرج [من](٣) الجحفة ولم يكلّمني ، ولا يراني إلّا أعرض عنّي (٤).
__________________
(١) مغازي الواقدي ٢ : ٨٠٧ ، ٨٠٨.
(٢) سيرة ابن هشام ٤ : ٤٢.
(٣) في الأصل : إلى الجحفة. وهذا يقتضي أن تكون محاورته للعباس قبل الجحفة ، وقد مرّ أن العباس التحق بهم بالجحفة ، وهذا يقتضي أن يكون الصحيح : من الجحفة.
(٤) مغازي الواقدي ٢ : ٨٠٦ ـ ٨٠٨.