الظّهران قلت (في نفسي) : واصباح قريش! والله لئن دخلها رسول الله عنوة إنّه لهلاك قريش آخر الدهر! فأخذت بغلة رسول الله الشهباء فركبتها ألتمس انسانا ابعثه إلى قريش فيلقون رسول الله قبل أن يدخلها عليهم عنوة. فبينا أنا في الأراك (من مرّ الظّهران) أبتغي انسانا ، إذ سمعت كلاما يقول : والله ما رأيت كالليلة من النيران! وإذا بأبي سفيان. فناديته : أبا حنظلة! فعرف صوتي فقال : يا لبّيك أبا الفضل مالك فداك أبي وامّي! فقلت له : ويلك ، هذا رسول الله في عشرة آلاف! فقال : بأبي وامّي! فما تأمرني؟ هل من حيلة؟ قلت : نعم ، تركب عجز هذه البغلة فأذهب بك إلى رسول الله ، فإنه والله إن ظفر بك دون رسول الله لتقتلنّ! فقال ابو سفيان : وأنا أرى ذلك.
فرجع عنه بديل وحكيم. وجاء هو فركب خلفي ، فتوجّهت به. فكلّما مررت بنار من نيران المسلمين قالوا : من هذا؟ (فقلت : العبّاس) فاذا رأوني قالوا : عمّ رسول الله على بغلته. حتى مررت بنار عمر بن الخطّاب ، فلما رآني قام فقال : من هذا؟ فقلت : العبّاس ، فنظر فرأى أبا سفيان خلفي فقال : ابو سفيان عدوّ الله؟ الحمد لله الذي أمكن منك بلا عهد ولا عقد. ثم أخذ يشتدّ إلى رسول الله. وأنا ركضت البغلة حتى اجتمعنا جميعا على باب خيمة النبيّ ، فدخلت عليه ، ودخل عمر على إثري فقال عمر : يا رسول الله ، هذا أبو سفيان عدوّ الله ، قد أمكن الله منه بلا عهد ولا عقد ، فدعني أضرب عنقه. فقلت : يا رسول الله ، إني قد أجرته! ثم قلت لعمر : مهلا يا عمر! فانه لو كان رجل من بني عديّ بن كعب ما قلت هذا (لانه من عشيرتك) ولكنه أحد بني عبد مناف! فقال رسول الله : اذهب به ، فقد أجرته لك ، فليبت عندك حتى تغدو به علينا إذا أصبحت. فذهبت به (١).
__________________
(١) مغازي الواقدي ٢ : ٨١٦ ، ٨١٧ مسندا ، وابن اسحاق في السيرة ٤ : ٤٤ ـ ٤٥ ونحوهما في إعلام الورى ١ : ٢١٩ ومجمع البيان ١٠ : ٨٤٦ ، ٨٤٧.