الجاهلية إلى اليمن ، في سنة تاجر فيها إليها رجال من قريش منهم : عفّان بن أبي العاص بن اميّة ومعه ابنه عثمان ، وأبو عبد الرحمن عوف بن عبد عوف الزهري ، والفاكه بن المغيرة المخزومي ، ومات الرجل من بني جذيمة باليمن ، فأوصى بماله أن يحمله اولئك الرجال من قريش إلى ورثته بأرضهم الغميصاء قرب مكة ، فحملوه معهم. وعلم بذلك رجل من بني جذيمة يقال له : خالد بن هشام ، فوافق جمعا من قومه ليأخذوا المال من اولئك الرجال قبل أن يصلوا إلى أهل الميّت ، وأن يقاتلوهم إن أبوا عليهم ذلك. فلقوهم وطالبوهم المال فأبوا عليهم فقاتلوهم ، فقتل أبو عبد الرحمن عوف بن عبد عوف الزهري ، والفاكه بن المغيرة المخزومي ، وفرّ عفّان بن أبي العاص وابنه عثمان.
وهمّت قريش بغزو بني جذيمة ، وأرسل بنو جذيمة إلى قريش : ما كان مصاب أصحابكم عن ملأ منّا ، إنّما عدا عليهم قوم بجهالة فأصابوهم ولم نعلم ، ونحن نعقل لكم (أي نؤدي عقله : ديته) ما كان لكم قبلنا من دم أو مال. ورصد عبد الرحمن بن عوف لقاتل أبيه فقتله ، فقبلت قريش بذلك ، ووضعوا الحرب (١).
وبقي وتر الفاكه بن المغيرة المخزومي عمّ خالد بن الوليد لم يثأر ولم يقتصّ له من بني جذيمة ، وخلد هذا في خلد خالد وما انصاع لما صدع به رسول الله بعد فتح مكة من وضع ترات الجاهلية ودمائها بما فيها من دم الحارث بن عبد المطّلب من بني هاشم لم يقتصّ له ، ولكنّه صلىاللهعليهوآله ـ كما قال المفيد ـ أراد أن يستثمر تلك الترة التي كانت بين خالد بن الوليد وبينهم لصالح الإسلام ، قال : «ولو لا ذلك ما رأى رسول الله صلىاللهعليهوآله خالدا أهلا للإمارة على المسلمين .. ولذلك أيضا أنفذ معه عبد الرحمن بن عوف
__________________
(١) ابن اسحاق في السيرة ٤ : ٧٤.