بما في نفوسهم من الطعن والظغن ، منهم أبو سفيان ، فانه قال : لا تنتهي هزيمتهم دون البحر! (١) فسمعه أبو مقيت الأسلمي فناداه : أما والله لو لا أنّي سمعت رسول الله ينهى عن قتلك (للأمان) لقتلتك! (٢). وصاح به ابنه معاوية : يا ابن حرب! لا قاتلت عن دينك! ولا صبرت مع ابن عمك! ولا كففت هؤلاء الأعراب عن حريمك!
فلما سمع من ابنه معاوية هذا اللوم تلاوم وتقاوم وتلاءم مع جمع من أهل مكة (٣) فتراجعوا لمقاومة الأعراب من هوازن وثقيف. واتّفقوا على أنه كان لأبي سفيان مصاهرة في ثقيف فاختلفوا في ابنته هل هي آمنة أم ميمونة ، وهل أمّ داود فهل هو داود بن عروة بن مسعود الثقفي أو هو ابن أبي مرّة بن عروة (٤). وقد غاب عروة بن مسعود عن حنين لأنه كان قد ذهب مع غيلان بن سلمة إلى جرش اليمن ليتعلّما صنعة الدبّابات والمنجنيق (٥) استعدادا لحرب المسلمين.
فلعله لهذا وذاك وتأليفا لهم ، لمّا فضّ الله جمع المشركين بحنين وأخذت ثقيف ومن تبعها إلى الطائف بعث النبي صلىاللهعليهوآله أبا سفيان بن حرب إلى الطائف فلقيته ثقيف
__________________
(١) ابن اسحاق في السيرة ٤ : ٨٦ واليعقوبي ٢ : ٦٢ ومغازي الواقدي ٢ : ٩١٠.
(٢) مغازي الواقدي ٢ : ٩١١.
(٣) الإرشاد ١ : ١٤٤.
(٤) سيرة ابن هشام ٤ : ١٢٦.
(٥) ابن اسحاق في السيرة ٤ : ١٢١ والدبّابة القديمة : مصفّحة مربعة مستطيلة من خشب عليه صفائح الجلود أو الحديد ، يدخل فيها رجال ثلاثة أو أربعة فيدبّون بها إلى الأسوار لينقبوها. والمنجنيق : معرّب منگنه ، يرمى بها الحجارة الثقيلة. وقال الواقدي : كانا بجرش يتعلّمان عمل الدبّابات والمنجنيق ، يريدان أن ينصباه على حصن الطائف وكانوا قد أصلحوا حصنهم ـ وله بابان ـ وصنعوا الصنائع للقتال وتهيّئوا وادخلوه ما يصلحهم لو حوصروا فيه إلى سنة ٣ : ٩٢٤.